النصر في متناول أيدينا، شعوباً ومقاومةً تقود المعركة ضد العدو، وما علينا سوى الاهتداء بمنارة المقاومة، سواء أضاءت من جنوبي لبنان، أو من جنوبي فلسطين.
عماد الحطبة
أعلن الكيان الصهيوني سحب دبلوماسييه من سفاراته في الأردن ومصر والبحرين والمغرب، وطلب إلى “مواطنيه” عدم السفر إلى هذه الدول، وإلى الموجودين فيها سرعة المغادرة. من نافل القول أن كل هذه الدول تمتلك علاقات دبلوماسية بالكيان الصهيوني، وأن حكوماتها تصم الآذان عن المطالبات الشعبية بقطع هذه العلاقات وطرد الدبلوماسيين الصهاينة من بلدانها.
يكاد الهتاف “لا سفارة صهيونية، في أرض عربية” يكون الأكثر ترداداً في ساحات التظاهر في الدول المطبعة مع العدو، بل إن بعض الشبان، في الأردن، تمكّن من النفاذ إلى جوار السفارة الإسرائيلية، وإضرام النار في محيطها، محاولاً إحراقها.
على رغم التصريحات المؤيدة للفلسطينيين، والتي يطلقها المسؤولون في دول التطبيع، فإنّ ممارسات هذه الدول على الأرض تشير إلى انحيازها إلى جانب الاحتلال، وتتبنى روايته القائلة إن المقاومة مسؤولة عن اندلاع “موجة العنف”، وفي الوقت نفسه إدانة ممارسات العدو الصهيوني والمجازر التي يرتكبها.
ترى هذه الدول أن دورها لا يتجاوز دور جمعية الهلال والصليب الأحمر، والمحصور في تقديم المواد الإغاثية والدوائية. وهذا الدور يترك السؤال مفتوحاً: لمن تدّخر هذه الدول جيوشها، ولمن تحشد الأسلحة التي تنفق عليها مليارات الدولارات سنوياً؟
لا يحتاج السؤال إلى إجابة، فلقد رأينا تلك الأسلحة تتدفق على الإرهابيين في سوريا، ورأيناها تقصف ليبيا واليمن، الذي ينافس غزّة في موقع أكبر مأساة إنسانية في الكوكب. ونرى العربات العسكرية في الشوارع تطارد المواطنين المحتجين على المجازر الصهيونية، أو تلك المطالبة بحقوق الشعوب الأساسية.
تفتق الذهن الدبلوماسي العربي والدولي عن قمة لـ”السلام” مُنيت بالفشل الذريع قبل أن تبدأ. القمة التي دعت محمود عباس إلى تمثيل الفلسطينيين أخطأت العنوان، فالفلسطينيون الذين يقاتلون في غزّة هم الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بل هم الممثل لكل عربي حر وشريف، ولكل مناضل في مواجهة عدوان الإمبريالية وصلفها. كما ابتدأت القمة بالفشل، انتهت بفشل أكبر بعجزها عن إصدار بيان يدعو إلى وقف العنف على الأقل.
في اليوم التالي لتلك القمة ارتكبت قوات العدو 24 مجزرة خلال 24 ساعة، قضى فيها 266 شهيداً، منهم 117 طفلاً. دم هؤلاء الشهداء على يد كل من جلس في قاعة تلك القمة بغض النظر عن جنسيته. في المقابل، يتصدى رجال الأمن للمتظاهرين السلميين الذين يخرجون للتعبير عن احتجاجاتهم على مواقف دولهم، وعلى ما يحدث في غزّة.
الاعتقالات بالعشرات، وقنابل الغاز والهراوات، والقوات التي تحمي الحدود، تظهر بوضوح الجهة التي تنحاز إليها تلك الدول، بغض النظر عن التصريحات التي يطلقها المسؤولون.
لم يكن أمام الشعوب سوى أخذ الأمور بيدها، وإطلاق فعلها الدبلوماسي الشعبي في مواجهة التخاذل الدبلوماسي الرسمي. السفارات الصهيونية الخاوية تعبير جليّ عن نجاح الإرادة الشعبية في قطع العلاقات بالكيان المجرم.
الدبلوماسية الشعبية نفسها قادت الاف المواطنين العراقيين إلى الحدود الأردنية، سعياً للوصول إلى الحدود الفلسطينية لمشاركة إخوانهم الفلسطينيين في المعركة. وجاءت حملات المقاطعة للشركات الأميركية، التي أعلنت دعمها للكيان الصهيوني، الأمر الذي أثر في هذه الشركات، ودفعها إلى التنصّل من مواقفها، بل إن بعضها قدم تبرعات لحملات الإغاثة الرسمية في محاولة للتأثير في المواقف الشعبية.
وبرزت الدبلوماسية الشعبية في تصديها للرواية الصهيونية المدعومة غربياً، بشأن الأحداث في غزّة، وجنّدت الالاف من الأجانب في حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني. أهم ما استطاعت الدبلوماسية الشعبية تحقيقه هو إعادة طرح القضية الفلسطينية من جذورها، أي إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948، فالمتضامنون الأجانب، في أغلبيتهم، يطرحون قضية عمرها 75 عاماً، ويتجاوزون عن الرواية الاستعمارية التي تصور القضية الفلسطينية على أنها صراع بدأ عام 1967.
بلغت الدبلوماسية الشعبية ذروتها في الرسالة التي وجهتها والدة الشهيد إبراهيم حسن عطوي، من بلدة الصوانة في جنوبي لبنان، إلى سماحة السيد حسن نصر الله، مؤكدة أنها تقدم ابنها وكل أبنائها في طريق المقاومة والتحرير.
الكيان الصهيوني يستخدم قدرته الغاشمة على القتل، ترويعاً للفلسطينيين، وتمهيداً للهجوم البري الذي تخطط أن يكون في أرض محروقة. في المقابل، تنتظره المقاومة بقدرتها على القتال، والتي تستند إلى القوة التي أبدتها يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبعقيدتها الجهادية المقاومة، التي تستهين بالموت في سبيل تحرير الوطن.
المعركة مستمرة، والدبلوماسية الشعبية العربية مستمرة في تصعيد مواقفها، عبر استهداف القواعد الأميركية في العراق، وفي دخول أنصار الله على خط المعركة. هذه الدبلوماسية الشعبية لن تقبل الرجوع إلى ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وما التحذيرات الصهيونية لمواطنيها سوى تعبير عن إدراك مجلس الأمن الصهيوني أن الجماهير العربية أصبحت جاهزة لوضع حد للتطبيع بالقوة، كما حدث عندما قام فلسطيني مقاوم بقتل اثنين من الصهاينة في دبي.
النصر في متناول أيدينا، شعوباً ومقاومةً تقود المعركة ضد العدو، وما علينا سوى الاهتداء بمنارة المقاومة، سواء أضاءت من جنوبي لبنان، أو من جنوبي فلسطين.