إعداد علي محمد
(مجلة فتح – العدد 762)
حوارة سجلت موعد جديد مع العمل الفدائي المقاوم، لتتحوّل البلدة الفلسطينية إلى أيقونة العمليات المسلحة الهجومية في الضفة الغربية، والتي اتسمت عملياتها بالقدرة على إيقاع قتلى وجرحى في صفوف المستوطنين ، حيث نفذ فلسطينيون مقاومون، عملية إطلاق نار قرب حاجز حوارة جنوب نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة تسفر عن مقتل اثنين من المستوطنين الصهاينة الذين لطالما أذاقوا البلدة العذابات، وأشعلوا فيها النيران.
ووفق الإعلام العبري فإن هذه العملية البطولية، ترفع عدد القتلى الصهاينة في عمليات المقاومة إلى 33 قتيلاً منذ مطلع العام الجاري 2023.
وقد شهدت بلدة حوارة، منذ بداية العام الجاري 2023، تنفيذ 10 عمليات فدائية، من بينها 6 عمليات إطلاق نار، أدت إلى مقتل 4 صهاينة، وإصابة 12 آخرين
المقاومة في بلدة حوارة ليست أمراً جديداً، فالبلدة منذ بداية الاحتلال تقدم نموذجاً فريداً في مقاومة الاحتلال والتصدي لإجرامه ومخططاته بسرقة الأرض الفلسطينية وتهويدها.
فقد شاركت حوارة في النضال الفلسطيني ضد الغزاة خلال مختلف المراحل التاريخية، وفي العصر الحديث يذكر لأبنائها مشاركتهم في ثورة عام 1936 ضد الإنجليز، واستشهاد 3 منهم وهم محمود الحمور وماجد سعادة والسنوسي الحواري، وبعد الاحتلال الصهيوني للبلدة عام 1967 وحتى مطلع عام 2023، سُجلت أكثر من 800 حالة اعتقال بين أبنائها الذين تراوحت أحكامهم بين 18 يوما و16 عاما، بالإضافة إلى 25 شهيدا، بينهم 5 خلال انتفاضة الأقصى الثانية.
وشكَّل موقع حوارة على الشارع الرئيسي الذي يسلكه المستوطنون صيدا ثمينا لمقاوميها، وخاصة في الانتفاضة الأولى حين شنوا فرادى وجماعات هجمات ضد المستوطنين.
وشكل مقاومون خلايا لمقاومة الاحتلال منهم نجم عودة، الذي ارتقى شهيدا مع 15 مقاوما آخرين في «ملحمة عين البيضاء» بالأغوار الفلسطينية الشمالية عام 1970، ولا يزال الاحتلال يحتجز جثامينهم بمقابر الأرقام.
وخلال النصف الأول من العام الجاري 2023شهدت البلدة 169 عملاً مقاوماً، أسفرت عن مقتل مستوطنين اثنين، وجرح 16 آخرين، وكانت عملية الشهيد عبد الفتاح خروشة، التي أسفرت عن مقتل مستوطنين اثنين بتاريخ 26/2/ 2023 من أبرز العمليات.
وشملت أعمال المقاومة في حوارة 28 عملية إطلاق نار، و3 عمليات دهس، وعملية طعن واحدة، و7 عمليات حرق منشآت وآليات وأماكن عسكرية، و17 تحطيم مركبات ومعدات عسكرية صهيونية، وإلقاء زجاجات حارقة ومفرقعات نارية 9 مرات.
وبعد عملية الشهيد عبد الفتاح خروشة تغول المستوطنون بشكل كبير على البلدة، فقد احتشد أكثر من ألف مستوطن صهيوني قدموا من المستوطنات المحيطة بالبلدة والجاثمة على أراضيها، وخاصة من مستوطنتي «يتسهار» و«هار براخا». وأحرقوا ممتلكاتها ومنازل مواطنيها ومركباتهم، في مشهد مكرر ذكّر الفلسطينيين بمآسي أيام النكبة عام 1948 وما ارتكبته العصابات الصهيونية آنذاك من مجازر بحقهم.
وخرجت دعوات لمحو بلدة حوارة أطلقها غلاة المستوطنين المتطرفين، مثل الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش، وهو ما طالب به أيضا دافيدي بن تسيون نائب رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية، وأيده في ذلك الوزير المتطرف إيتمار بن غفير.
حوارة.. أرض فلسطينية ينهشها الاستيطان
تقع حوارة جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، وتبعد عن مركز المدينة 9 كيلومترات، ويقسمها «شارع حوارة» (طريق «نابلس – القدس» كما عرف قديما) بين شرق وغرب.
تتبع البلدة إداريا لمحافظة نابلس، وحسب اتفاق أوسلو عام 1993 صنفت أراضي حوارة بين مناطق «ب» الخاضعة إداريا وأمنيا «للسلطة الفلسطينية»، والمنطقة «ج» الخاضعة للسيطرة العسكرية الصهيونية.
وتحيطها من الشرق قريتا أودلا وبيتا، ومن الغرب بلدة عينابوس وجماعين، ومن الشمال بورين، ومن الشرق عورتا.
تقدر المساحة التي تشغلها البنايات في البلدة بحوالي ألف دونم، بينما تقدر مساحتها الإجمالية بنحو 10 آلاف دونم، ويزرع سهلها بالحنطة والحبوب، ويعد ثاني أكبر سهل بعد مرج بن عامر شمال الضفة الغربية المحتلة.
وبلغ عدد سكان حوارة عام 2022 إلى حوالي 7 آلاف نسمة، إضافة إلى 9 آلاف يعيشون خارج الوطن، معظمهم في الأردن وأميركا.
يعتبر الاستيطان أكثر العوامل الطاردة والقاهرة لأهالي حوارة، فقد نهشت مستوطنة «يتسهار» 1500 دونم من شمال البلدة وآلاف الدونمات من القرى المجاورة، بالإضافة إلى مستوطنة «جفعات رونين» الاستيطانية التي تفرعت منذ سنوات عن المستوطنة الأم «هار براخا».
وإلى جانب المستوطنتين استولى الاحتلال على المعسكر الأردني القديم «معسكر حوارة» الذي أقيم قبل عام 1967 على أراضي عورتا وحوارة، فحوَّله مقرا لجيشه، ومركزا للتوقيف والتحقيق مع الأسرى الفلسطينيين، مع مقرات للشرطة والمخابرات «الإسرائيلية» والارتباط العسكري، وأضاف مهبطا للطائرات العمودية، ثم تحوَّل جزء من المعسكر لإدارة مدنية من أجل «إدارة شؤون الفلسطينيين».
وقرب المعسكر أقام الاحتلال حاجز حوارة العسكري عام 2000 ليشكل مع حاجز زعترة جنوبا على بعد 5 كيلومترات فكي كماشة لشارع حوارة بأكمله.
وصادر الاحتلال 1100 دونم من أراضي البلدة لمصلحة الشارع الاستيطاني الالتفافي الجديد، الذي بدأ بشقه بداية عام 2021 ليكون بديلا عن شارع حوارة الرئيسي، الذي حوَّله الاحتلال لثكنة عسكرية عبر إقامته 15 برجا عسكريا للمراقبة، وحواجز متحركة وثابتة بين طرفي شارع حوارة.
الفشل الأمني الصهيوني يتواصل
مجدداً شهدت المؤسسة الأمنية والعسكرية «الإسرائيلية» فشلاً ذريعاً عقب عملية بطولية نفذها مقاوم فلسطيني في بلدة حوارة جنوب نابلس أدت إلى مقتل مستوطنين، وأسقطت العدو في يده، إذ لم تنفع تعزيزاته العسكرية واستنفاره الدائم في تأمين الحماية له ولمستوطنيه، ولم تنفع حوادث العدوان المتكررة على البلدة، التي تعرّضت بالفعل لمخطط الحرق الكامل قبل عدة أشهر، كما أكدت العملية من جديد حالة الضعف الموجودة لدى مؤسسة الاحتلال الأمنية والعسكرية وخاصة أن العملية الفدائية نُفذت في منطقة أمنية وحساسة وتعتبر الأكثر انتشاراً لنقاط جيش الاحتلال وهو ما يثبت تطور العمل المقاوم، ويؤكد الفشل «الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي» الذريع في الملاحقة والاعتقال و«القضاء» على المقاومة ولا سيما أن العملية تمت بعد حملة شاملة شُنت بالتنسيق بين قوات الاحتلال والسلطة الفلسطينية؛ لملاحقة المقاومين والتضييق عليهم لتحقيق هدفهم المتمثل في “القضاء على المقاومة بالضفة الغربية المحتلة”.
تصاعد العمليات الفلسطينية وتطورها دفع أوساطاً «إسرائيلية» عديدة إلى اتهام الحكومات «الإسرائيلية» المتتالية بالعجز عن ابتكار استراتيجية ناجعة للتخفيف من حدة المأزق تفادياً للانفجار الكبير حسب تعبيرهم، وهو ما أدى بدوره إلى تشكل حالة عدم ثقة بين حكومات الاحتلال والمستوطنين وخاصة بعد التعديلات القضائية التي أقرتها مؤخرا حكومة الاحتلال والتي أدت إلى موجة من الاحتجاجات، هذا الاتهام يضع المستقبل السياسي المأزوم أساساً لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على المحك ويؤثر بلا شكل على المشهد الداخلي للاحتلال وربما تكون أولى بوادره ما تحدثت عنه وسائل إعلام العدو عن وجود انخفاض كبير في معدل الهجرة إلى الكيان الصهيوني وهذا تطور مهم ولافت، إذ بينما يلهث العدو للتطبيع وإقامة علاقات مع المحيط الإقليمي ليصار إلى تقبله كأمر طبيعي، فإنه ينفرط ويتفكك من الداخل، سياسياً وأمنياً وعسكرية في ظل تخلي الكثير من جنود الاحتياط عن الخدمة العسكرية والخوف منها.
فرضت العمليات الفدائية واقعاً مخالفاً لما يعمل عليه المحتل، إذ لم يعد كيان العدو هو من يُحاصر رغم كل وحشيته، بل بات محاصراً بالعمليات الفدائية في أي وقت وفي أي مكان، كما أن حصاره ليس فقط في فلسطين بل هو محاصر من كل من يحمل المقاومة عنواناً ثابتاً وراسخاً في منهج حياته، فهو محاصر من سورية إلى العراق ولبنان وإيران واليمن التي تنتهج المقاومة وتتخذ من القضية الفلسطينية قضية مركزية لا مجال للمساومة عليها أو التنازل بشأنها، فالعمل المقاوم مستمر طالما الكيان المحتل قائم.
لقد أثارت عملية إطلاق النار في الخليل حالة من الهلع والتوتر الشديد في أوساط الاحتلال السياسية والأمنية وبين المستوطنين، ظهرت بشكل واسع في تغطيات وسائل الإعلام «الإسرائيلية للعملية».
الخليل على درب حوارة
جاءت عملية المقاومة جنوب الخليل (21/8) ، حملت معها معاني جديدة في ترسيخ ثبات المقاومة في الضفة المحتلة، رغم محاولات الاحتلال وأعوانه في نزع فتيل الفتنة وشق الصف الفلسطيني، سعياً لوأد المقاومة وإنهاء عملياتها المتصاعدة.
وشكّلت عملية الخليل خطورة بالغة توازي عملية حوارة التي وقعت قبلها بـ48 ساعة، وعجز الاحتلال عن الوصول لمنفذي العمليتين حتى اللحظة، هناك تسارعا في ردود المقاومة، حتى لـم يعد باستطاعة المستوى الأمني الصهيوني إقناع المستوطنين بأنه يسيطر على الأوضاع، وهذا يعني أن الردع والأمن في تدهور كبير جدا، والمقاومة تطرق الأبواب والشبابيك والأسقف ولا تأبه لشيء.
رقعة المقاومة الجغرافية تتسع وجبهة الضفة تتحصن وتقوى وقرار المقاومة بمطاردة المستوطنين ساري، والجديد الخطير هو تسلسل الانسحاب في حوارة والخليل ودقة الإصابة وهدوء الأعصاب، وتواصل المقاومة تكتيك استنزاف وتوقيت ومفاجأة.
خطورة عملية الخليل اليوم بمفهومها السياسي والأمني، يكمن بأنها جاءت بعد أقل من 48 ساعة من عملية حوارة، التي عجزت قوات الاحتلال عن الوصول لمنفذها.
عملية الخليل ناجحة بكل المقاييس، وأنه حتى لو تم الإمساك بالخلية أو المنفذين أو تصفيتها في منطقة تعد مغلقة ويتم ملاحقتهم بقوات كبيرة جدا وباستخدام الطائرات العمودية، فإن ذلك كله لا يلغي تأكيد أن العملية
يعكس تصاعد العمل المقاوم في الضفة الغربية فشل سياسات العدو الرامية إلى إحباط العمليات قبل تنفيذها، كما يعكس إصرار المقاومة الفلسطينية على مواجهة سياسات العدو الاستيطانية، والرد بالنار على الخيارات التي أطلقها بتسلئيل سموترتش تجاه الشعب الفلسطيني في الضفة، إما الرحيل أو الاستسلام أو الإبادة. فكانت رسالة حوارة والخليل أن خيار الشعب الفلسطيني هو المقاومة حتى رحيل المستوطنين عن أرضهم، وأن الاستسلام لم يرد في قاموسهم على الإطلاق.