عميرة أيسر
يعيش الكيان الصهيوني على وقع أزمات وفضائح متتالية كان أبرزها في الأشهر القليلة الماضية، هو الضجة التي أثارها ضباط سابقين خدموا في قطاع عزة، وشاركوا في حرب تموز/أوت 2006ضدّ قوات حزب الله في لبنان، فهؤلاء الجنود والضباط قد تعرضوا لصدمات نفسية حادة يطلق عليها صدمة ما بعد الحرب، حيث عانى هؤلاء من الأرق و قلة النوم ومن كثرة الكوابيس المزعجة وحالات من الهلع والهستيريا والاضطرابات السلوكية، جعلت الكثير منهم يقدم على الانتحار على الملأ، بل هناك من انتحروا في بثوث مباشرة على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظاهرة أثارت قلقاً واسعاً لدى القيادة العسكرية الصهيونية، التي تجاهلت مطالبهم بضرورة إخضاعهم للعلاج النفسي في أقرب وقت ممكن قبل فوات الأوان، وخاصة بعد أن تدخل نواب في الكنيست الإسرائيلي، إذ عقدت جلسات استماع مكثفة لهؤلاء الجنود والضباط وذويهم، للوقوف على حجم الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم، وسماع أقوالهم بخصوص الإهمال الطبي الذي تعرضوا له من طرف وزارة الدفاع الصهيونية، التي تعاملت معهم ببيروقراطية ورفضت الاعتراف بأوضاعهم النفسية الصعبة، رغم أن الكثير من هؤلاء قد أصبحوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعد عملية الجرف الصامد على قطاع عزة سنة 2014م، بحسب ما جاء في موقع i24news الصهيونية فإن عدد هؤلاء قد بلغ 4817 جندي، إذ قدمت وزارة الأمن الإسرائيلية معلومات دقيقة عن حالتهم واعترفت بأحقيتهم في الحصول على مخصصات ذوي الاحتياجات الخاصة من الجيش. كما ذكر موقع دنيا الوطن، بتاريخ 11جويلية/ يوليو 2017م، في مقتل بعنوان (الجيش الاسرائيلي يعترف: 481 جندياً اصبحوا معاقين بسبب حرب غزة).
فهذه الظاهرة التي أثارت جدلاً واسعاً في الكيان الصهيوني، سبقتها العديد من الظواهر التي لم تكن معروفة في الحقب السّابقة في إسرائيل، ولم تعرف هذا الانتشار الواسع من قبل، كظاهرة رفض الشباب للتجنيد الإجباري في الجيش الصهيوني، التي انتشرت بشكل كبير وغير مسبوق، خصوصاً بعد الحكايات التي تم تداولها عبر وسائل الإعلام العبرية المختلفة، عما تعرض له الجنود الصهاينة الذين اشتركوا في كل الحروب على قطاع عزة المحاصر على يد رجال المقاومة البواسل من أهوال، فرفض التجنيد الإجباري أصبح في نظر هؤلاء الشباب حق طبيعي لهم، وهم غير ملزمين قانوناً بالانخراط في الأعمال القتالية حسب وجهة نظرهم، وهم يرون في القانون العسكري الذي يعرضهم لعقوبات قاسية في حال رفضهم أداء الخدمة العسكرية بأنه مجحف وغير عادل، وخاصة أولئك الذين ينحدرون من عائلات يسارية صهيونية، فالكثير من أبناء هذه العائلات قد دخلوا السجن العسكري الإسرائيلي أكثر من مرة بسبب ذلك، بل انخرط بعضهم في جمعيات إسرائيلية تدعو للتعايش السلمي بين العرب واليهود.
فالشباب الاسرائيلي يزداد قناعة تدريجياً بأن المستوطنين في المدن الفلسطينية المحتلة، هم السبب في اندلاع موجات من الاحتجاجات في العديد من المدن الفلسطينية كالقدس الشرقية، وقد بدأ هذا الوعي يتشكل لدى العديد منهم بعدما وضع ايتماربن غافير وزير الأمن الصهيوني مكتبه في وسط بيت عائلة فلسطينية في حي الشيخ جراح فبدل أن يطبق عليه القانون ويطرد من ذلك البيت وينتقل بتهمة انتهاك حرمة منزل، تمت حمايته من طرف المستوطنين وقوات الاحتلال، المنتشرة بشكل كثيف في تلك المنطقة، فهؤلاء الشباب الرافضين للخدمة العسكرية قد أدركوا بأن الحكومة الإسرائيلية تدفعهم للقتال والموت في قطاع عزة والفضة الغربية من أجل الدفاع عن عقيدة أيديولوجية لا تخدمهم، وهم غير مقتنعين بها أصلاً، وتوسعت هذه الحركات الرافضة للخدمة العسكرية لتطال جنود الاحتياط الذين لم يلتحقوا بمناصبهم في الجيش رغم النداءات المتكررة التي أطلقها الكثير من المسؤولين في الكيان الصهيوني كرئيس الوزراء بن يامين نتنياهو، أو وزير الطاقة والبنية التحتية يسراءيل كاتس، بالإضافة لوزير الدفاع بواف غولانت الذي خاطبهم قائلاً ” احتاج لكل جنود الجيش الاسرائيلي، لكل جنود الشاباك (جهاز الأمن العام)، ولكل الموساد، ولكل الجنود في الأجهزة حتى أنجح في مهمة الدفاع عن إسرائيل”. كما موقع sputnikبتاريخ 18جويلية/يوليو 2023م، في مقال بعنوان (غالانت مخاطباً جنود الاحتياط الرافضين للخدمة: أحتاج إليكم لحماية إسرائيل).
فالعقيدة العسكرية الصهيونية قد بدأت تنهار لأن العنصر البشري الذي هو عماد مختلف الجيوش القوية قد فقد الثقة بإسرائيل ومؤسساتها الرسمية لأن قطاعاً واسعاً من المجتمع الاسرائيلي بات يرى في هذه المؤسسة العسكرية بأنها السبب وراء كل عمليات القتل والاستهداف المتواصل لهم كمواطنين في هذا الكيان، لأن الجيش الصهيوني الذي يستهدف الأبرياء في قطاع عزة أو جنين أو نابلس أو غيرها من المدن الفلسطينية، فإنه بذلك يدفع فصائل المقاومة للرد بالمثل وبالتالي تنفيذ عمليات نوعية تؤدي لقتل العديد من أحبهم و عائلاتهم ومعارفهم، فالمواطن الإسرائيلي أصبح يثق فيما يقوله السّيد حسن نصر الله أو أبو عبدة الناطق الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، أكثر من ثقته في تصريحات قيادته العسكرية والأمنية، فالمؤسسة الرسمية تعيش أزمة حقيقية أثرت على مستوى أداء الجيش الاسرائيلي الذي تمرد الكثير من ضباطه منذ تولي نتنياهو للسلطة في الكيان المحتل هذه المرة.
وهذا ما دفع بالكثير من المفكرين والكتاب والنخب المثقفة في تل أبيب لدق ناقوس الخطر، لأن الجيش هو شيء مقدس بالنسبة لهم، وهو الجامع للإسرائيليين الفاقدين لهوية موحدة باعتبارهم مختلفين عقائدياً وثقافياً ودينياً و لغوياً، وليس لهم انتماء للجيش، لأن إسرائيل بالنسبة للكثير منهم هي ليست أرضهم وهذه قناعة راسخة عندهم، وبأن جيش الدفاع كما يسمونه الذي تشكل من عصابات استر وهاغانا وشترين، وبقية العصابات الصهيونية التي ارتكبت مجازر كروعة بحق الفلسطينيين لم يعد قادراً على ضمان أمنهم وسلامتهم ويتجه نحو الانهيار التام والتفكك، ويبدو بأن كرة الثلج هذه ستكبر مع مرور الوقت، وستؤدي لحدوث شرخ عميق في الثقة بين الإسرائيليين وقواتهم الأمنية، لأنهم في الأغلب قد باتوا على يقين بأن كيانهم المحتل لم يعد محصناً ومحمياً داخلياً كما كان من قبل، فالجيش الاسرائيلي يواجه أكبر مشكلة له منذ نشأته لأنه مهدد بالزوال وخسارة جزء كبير من جنوده وطاقاته وكوادره المدربة، لأنّ النزيف الحاد الحاصل في عدد المتطوعين أو المنظمين بشكل رسمي للمؤسسة العسكرية الصهيونية بمختلف فروعها وأذرعها الأمنية، ستكون نتيجته المحسومة هي تلقي هزيمة مذلة في أية حرب قادمة، فكل الأسلحة المتطورة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي الموجودة لدى هذا الجيش لن تستطيع تعويض خبرة وقوة العنصر البشري، وهذا ما ظهر جلياً في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث كان لعدد القوات البشرية ونوعيتها وتدريبها وتسليحها دور كبير في حسم المعارك الكبرى لصالح الروس، والسيطرة على النقاط الحساسة، وهذا ما يعرفه كبار قادة الجيش الاسرائيلي.
– كاتب جزائري
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام والدراسات الفلسطينية، وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً