كمين جنين.. حين ترد المقاومة بالنار على تهديدات اجتياح شمال الضفة

لم تحتج المقاومة الفلسطينية وقتا طويلا للرد على تهديدات قادة الحكومة الصهيونية المتطرفة باجتياح شمال الضفة الغربية للقضاء على ما تعدها “مجموعات صغيرة مسلحة”، حتى باغتت هذه “المجموعات المسلحة الصغيرة” قواته الخاصة المدربة والمدججة بالسلاح في قلب شمال الضفة بكمين محكم، سيبقى حديث الإعلام العبري وأروقة السياسة والعسكرية في كيان الاحتلال ربما لأسابيع قادمة.

ملحمة الفجر في جنين، تبعث للعدو برسالة واضحة مفادها أن العمل المقاوم في الضفة الغربية، تجاوز المرحلة التي يمكن السيطرة عليه أو منعه أو محاصرته أو القضاء عليه، بل يمكن القول إنه وصل إلى مرحلة القدرة على المبادأة والمبادرة وبتأثير عالي المستوى، إلى جانب القدرة على التصدي لعمليات الاجتياح التي يشنها الاحتلال ضد المدن الفلسطينية بأدوات جديدة.

واستُشهد خمسة فلسطينيين؛ بينهم طفل، وأُصيب العشرات أمس الاثنين، في اشتباكات مسلحة مع قوات الاحتلال أثناء اقتحامها مخيم جنين شمال الضفة الغربية، أسفرت أيضًا عن إصابة 7 جنود إسرائيليين، وإعطاب آليات عسكرية. وأعلنت كتائب القسام في مخيم جنين عن تمكن مجاهدينا من إيقاع قوة من جيش الاحتلال في كمين محكم، وإمطارها بوابل من العبوات المتفجرة ثم تلاها زخات كثيفة من الرصاص.

تطور واضح في العمل المقاوم

حققت المقاومة الفلسطينية أمس ملحمة جديدة وأظهرت تطورًا واضحًا في عملها المقاوم في الضفة، خاصة أنه لأول مرة تعيد استخدام العبوات الناسفة شديدة الانفجار إلى الواجهة من جديد في التصدي لعمليات الاقتحام الإسرائيلية، ما جرى سيكون أمرا فارقا، خاصة وأن هذه العبوات ستعقد من عملية اقتحام المدن، وستزيد خشية جيش الاحتلال من أن يكون هناك خسائر كبيرة وبالتالي سيضطر لأخذ احتياطات كبيرة.

لقد استهدفت المقاومة ناقلة الجند الإسرائيلية الجديدة، وربما هي المرة الأولى التي يتم استهدافها، وهي مخصصة لاقتحام مدن الضفة، وجرى عليها تطوير عدة مرات، فقد دخلت الخدمة في عام 2022 وفي العام الجاري تم تطويرها لمواجهة العبوات، اليوم ما حدث في هذه الناقلة يمثل تطورا واضحا وتعقيدا لمهمات جيش الاحتلال.

 

ما جرى في جنين يحمل رسالة واضحة باستعداد المقاومة في الضفة المحتلة لمواجهة تطورات الأحداث، وأن الحديث الإسرائيلي الذي كان في الفترة الماضية عن ضعف المقاومة في الضفة وتراجع قدراتها ما هو إلا محض افتراء، وما حدث اليوم في جنين يؤكد أن المقاومة باتت تطور من أدواتها التي تواجه فيها هذا المحتل، ولم تنته هذه المقاومة بل تزيد من قوتها، وإن سياسة جز العشب وكسر الأمواج فشلت في كبح جماح هذه المقاومة التي تتطور يوما بعد يوم.

وحول تهديدات الاحتلال بالذهاب لعملية موسعة في شمال الضفة فإن جيش العدو لا زال معارضا لهذا الخيار، رغم أن الشاباك والمستوى السياسي يدفعون لمثل هذا التوجه، ويأتي موقف جيش الاحتلال لعدد من الاعتبارات أهمها أن عملية عسكرية في شمال الضفة لن تؤدي لإنهاء المقاومة بل ربما تزيد من الشرائح الفلسطينية التي ستدخل في مضمار المقاومة في الضفة نتيجة الضغط الذي سيمارس عليها في هذه العملية.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه في حال إنهاء المجموعات المسلحة في شمال الضفة فإن جزءا من المقاومين سيتخذون طريقة عمل سرية جديدة تمكنهم من تنفيذ ضربات تؤثر على الأمن القومي في دولة الاحتلال، ومن ناحية ثالثة متعلقة بالعمليات الفردية، فإن جيش الاحتلال يدرك أنه في حال ذهب لعملية موسعة سيزيد من حافز الفلسطينيين لتنفيذ عمليات فردية، وهذا يعني أن هذه العملية ستكون فاشلة وسيحكم عليها بالفشل بعد وقوع أول عملية فردية.

يتوقع جيش العدو أن العمليات الفردية لن تتوقف وبالتالي فإن الاستمرار بالطريقة الحالية التي يطلق عليها جيش الاحتلال مصطلح عمليات جراحية ربما هي الأفضل بالنسبة له في ظل أنه يخشى الضربات التي ستوجه للجيش والتي يمكن أن تهز من صورته بأنه لم يستطع التعامل مع مجموعات تتكون من عشرات المقاتلين الذين لا يمتلكون سوى الأسلحة الرشاشة وبعض العبوات التي يصنعونها محليا.

تنتول الإعلام العبري ما جرى في هذه الحادثة، فجزء منه يلوم جيش الاحتلال والمستوى العسكري الذي لم يكن قادرا على التعامل مع التطورات التي حدثت في الميدان، كما برزت حالة من الصدمة في إعلام الاحتلال خاصة أن المستوى الأمني تحديدا لم يستطع أن يقوم بعمل مسبق خلال الفترة الماضي ينهي المقاومة، الأمر الذي دفع الجيش ثمنه اليوم.

هذه العملية تدمر أحلام سموتريتش وبن غفير في عملية عسكرية أوسع من كاسر الأمواج أو عملية كالسور الواقي 2002 والتي ما تزال تداعب خيال المستوطنين لكنها أيضا تقض مضاجع نتنياهو وغالنت وهيرتسي هليفي الذين يرفضونها حتى اللحظة لأسباب مهنية، أي أن إثمها أكبر من نفعها على أمن وسياسة إسرائيل بالمفهوم الأوسع الذي لا تدركه العقول الصغيرة لسموتريتش وبن غفير.

 

 

عن علي محمد

مدير التحرير

شاهد أيضاً

النقطة صفر .. مشاهد بطولية في عام من الحرب على غزة

 (مجلة فتح العدد – 769) التعريف المباشر للبطولة والفداء كان من أهم عناوين معركة طوفان …

آخر الأخبار