بقلم الأخ/ محمد أبو زهرة/ أبو إياد
عضو اللجنة المركزية/مسؤول الإعلام والدراسات
(مجلة فتح العدد-759)
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، اعتبر سماحة الإمام الخميني رضوان الله عليه تحرير القدس واجباً عقائدياً ومسؤولية كبيرة تقع على عاتق كافة المسلمين، فدعا إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان يوماً للقدس العالمي، وأن قضية فلسطين هي قضية وطنية وقومية ودينية وإنسانية.
ولقد شهد هذا العام إقبالاً كبيراً من الشعوب الإسلامية والعربية على إحياء هذا اليوم المجيد وبشكل مميز عن الأعوام السابقة حيث خرجت الملايين على امتداد العالم تهتف للقدس وتؤكد أن المسجد الأقصى خط أحمر ولن نسمح للاحتلال بالعبث به أو بتغيير بالوضع القائم فيه.
وكان احتفال أهلنا في مخيم اليرموك هذا العام بيوم القدس بعد انقطاع استمر لأكثر من اثني عشر عاماً بسبب سيطرة الإرهابيين عملاء الكيان الصهيوني عليه، حيث شهد المخيم عرضاً عسكرياً ضخماً وحضوراً جماهيرياً كبيراً.
وكان الاحتفال بهذا اليوم في مخيم اليرموك هذا العام له دلالات هامة، الذي شهدت شوارعه وأزقته معارك شرسة في مواجهة داعش وجبهة النصرة خاضها الشباب الفلسطيني بقرار من قادة الفصائل الوطنية بالدفاع عن المخيم.
لقد أزهرت دماء الشهداء على مدار السنوات الماضية بهذا الكم من الشباب الذين تدربوا ليس للاستعراض في يوم القدس بل ليوم قادم لن يتأخر في الطريق إلى تحريرها.
وإذ كنا نشارك في هذه المناسبة فإننا نشعر بمزيد من التفاؤل في مجرى الصراع حيث إن مسار المقاومة وخيارها يزداد رسوخاً ويشير إلى تحولات كبرى على صعيد المنطقة والعالم.
إن وقائع اليوم تثبت إن قوى المقاومة باتت في الموقع الأكثر فعالية على التحكم في مسار المواجهة بينما بات العدو في موقع من يخشى المواجهة، وهو يتحاشاها بشتى السبل، وكلنا يتذكر كيف اضطر العدو إلى توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية بالاستناد إلى دور المقاومة، بالإضافة إلى تطورات الأسابيع الأخيرة بالأرض المحتلة التي كشفت ضعف العدو وخشيته من انفجار المواجهة واتساعها، لقد تغير الزمن الذي كان فيه جيش الكيان لا يقهر وإن الولايات المتحدة هي القطب الأوحد الذي يقود العالم حيث بدأت أمريكا تفقد هيبتها خاصة بعد انسحابها من أفغانستان والعراق ودورها المشبوه في أكرانيا حيث بدأت تخسر أصدقائها بالإضافة إلى مشاكلها الأخرى في مواجهة الصين بشأن تايوان مما تسبب في تراجع اقتصادها وعملتها.
لقد شهد شهر رمضان لهذا العام محاولات العدو الصهيوني اقتحام المسجد الأقصى بشكل مكثف من خلال المستوطنين المتطرفين الذين كانوا يريدون الصلاة بالمسجد تمهيداً لفرض وقائع جديدة بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد، فكانت هبة شعبنا في الضفة والقدس والداخل وغزة دفاعاً عن الأقصى وتجلى ذلك بالعمليات الفدائية البطولية في تل أبيب والقدس وبئر السبع ومجدو ونابلس وجنين ورام الله و الخليل من خلال «الذئاب المنفردة» والمستعدة للاستشهاد دفاعاً عن الأرض وعن الأقصى بالإضافة إلى البطولات التي صنعتها كتائب جنين ونابلس وطوباس وطولكرم وعرين الأسود الذين فرضوا واقعاً جديداً باستخدام السلاح دفاعاً عن مدنهم وقراهم ومخيماتهم بينما أصبح دور السلطة مكشوفاً أمام شعبنا وزادهم عاراً تلك التفاهمات في العقبة وشرم الشيخ مع المحتلين.
وعندما اشتد بطش العدو ضد أهلنا في القدس والمسجد الأقصى والضفة كانت «وحدة الساحات» حيث انطلقت الصواريخ من جنوب لبنان كرسالة للعدو بأن يوقف عدوانه خاصة ضد المرابطين في المسجد الأقصى تبعها صواريخ أخرى من قطاع غزة تحمل نفس المعاني، تبعتها صواريخ أخرى من الجبهة السورية نحو مواقع الاحتلال في هضبة الجولان حيث وقف العدو عاجزاً عن الرد بشكل حاسم بل اكتفى بالرد بغارات جوية على مزارع للموز في جنوب لبنان وتحاشى قصف مواقع حزب الله أو حركة حماس وكذلك قام بالرد على مناطق زراعية في قطاع غزة، أما في سورية فلقد كان الرد الصهيوني على مواقع حول دمشق وريفها.
إن المقاومة لن تتخلى عن شعبها ومقدساتها تجسيداً لمعركة سيف القدس عام 2021، ومعركة وحدة الساحات عام 2022، لهذا وقف العدو عاجزاً بسبب الانقسامات بين أطراف الكيان وشعوره أن الولايات المتحدة لم تعد تعطيه الاهتمام كما كان في الماضي بالإضافة إلى شعور العدو بتطور قدرات محور المقاومة سواء في إيران أو في سورية أو في لبنان أو في العراق أو في اليمن وخاصة بعد توقيع الاتفاق الإيراني-السعودي برعاية صينية.
لقد تبين في جولة المواجهة الأخيرة أن «إسرائيل» مردوعة ومما قاله سماحة السيد حسن نصر الله في يوم القدس بالضاحية الجنوبية: «إذا تصرفت إسرائيل بغباء ومسّت الأماكن المقدسة فتتسبب بحرب»، وكذلك قال: «لن تستطيع إسرائيل أن تعول لفترة طويلة على الهدوء في الجبهة السورية إذا استمرت هجماتها الجوية هناك».
ومن هنا نجد أن المرحلة القادمة ستكون أوسع في التصدي للمحتل داخل وخارج فلسطين وستكون كل الخيارات متاحة للمقاومة.
لقد أحيا العالم هذا العام يوم القدس العالمي في مناخ التحولات الكبرى مع النهوض الفلسطيني والتراجع الصهيوني وتعاظم محور المقاومة الذي يتحضر لمعركة التحرير القادمة والتي سوف تُتوج بالنصر إنشاء الله.