المشهد الفلسطيني:بايدن يكرس السياسة الأمريكية: «حل الدولتين بعيد المنال»

إعداد علي محمد

(مجلة فتح العدد – 754)

عند الحديث عن السياسة الخارجية الأميركية، لا يكون مستغرباً الحديث عن الدعم اللا متناهي للمشروع الصهيوني، الثكنة الأميركية الغربية المتقدمة في منطقتنا، فالإعلان عن 38 مليار دولار كدعم أمني وعسكري، ومليار إضافي كمساعدات عسكرية طارئة، لا يفترق في ذلك أي من الإدارات الأمير كية السابقة حتى اليوم.

وعندما يتحدث المختصون عن أنّ القضية الفلسطينية لم تكن يوماً إحدى أولويات السياسة الخارجية الأميركية، فإنّ تأمين الكيان الصهيوني هو أولى الأولويات فيها، وأما الجديد هنا فهو المقاومة الفلسطينية، وما أحدثته من تهديد حقيقي للمشروع الصهيوني خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد «سيف القدس»

لا جديد بخسارة الرهان على تغيير الإدارة الأميركية من جمهورية إلى ديمقراطية، في أن تتقمص أميركا دور المنصف في قضايا المنطقة والقضية الفلسطينية، فالإهانات التي وجهها بايدن إلى الجانب الفلسطيني وما أكثرها ، فلا زيارة إلى رام الله مقر السلطة، ولا لقاء ثنائياً مع عباس ولا بيان مشتركاً، ولا احتفاظ بمصطلحات أوسلو المنحوس، من قبيل 67 والقدس المحتلة والسيادة الفلسطينية.

الدبلوماسية السياسية التي يتعامل بها الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع سلطة رام الله، والتي عادة ما ميّزت الرؤساء الديمقراطيين، لا تغيّر من واقع الحال الذي تبلور في عهد بوش الابن، وتكرّس في عهد ترامب والمتمثّل بالتوقف عن التعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها القضية السياسية الكبرى، أو هي إحدى القضايا السياسية الكبرى في المنطقة، والانتقال إلى اعتبارها قضية «إسرائيلية» داخلية، ما يعني التسليم بالاحتلال، وبصيغة السيطرة «الإسرائيلية» على الأراضي الفلسطينية (67)، والاكتفاء بالعمل على تحسين مكانة الفلسطينيين ضمن تلك المعادلة.

وكما هو معروف، فقد كان الرؤساء الجمهوريون، غالبا، أكثر جرأة في إحداث تغيير أو انقلاب سياسي في القضايا الإقليمية والعالمية، وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى حرب الخليج الأولى والثانية وتداعياتهما على المنطقة والعالم، وخطة ترامب وما أحدثته من زعزعة لمكانة القضية الفلسطينية، وإعادة ترتيب أولويات السياسة الأميركية في المنطقة.

من هنا، فإن زيارة بايدن ليس أنها تندرج فقط ضمن الإطار الذي جرى صياغته في عهد ترامب للمصالح الأميركية في المنطقة، والمتمثّل بتعزيز المحور «الإسرائيليّ – السعوديّ – الخليجيّ»، بما يقتضيه من تهميش للقضية الفلسطينية، وإزاحتها من طريق هذا التحالُف، عبر استغلال ظروف إقليمية سانحة، هي بمثابة فرصة تاريخية، لإدماج الكيان الصهيوني في المنطقة، بل هي محاولة لتعزيز هذا التوجّه الذي يسعى لإزالة جميع العثرات التي تحول دون تعزيز التعاون بين المحاور الأميركية في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

بايدن لم ينبس بكلمة عن الاحتلال وتعزيز الاستيطان والضمّ الزاحف، والانتهاكات «الإسرائيلية» للمقدسات الإسلامية والفلسطينية في القدس، واقتحامات المستوطنين للأقصى، والمخططات المبيّتة لتقسيمه، وهو بذلك يستقيم مع سياسة العدو الصهيوني في التعامل مع القضية الفلسطينية، كقضية أمنية ومدنية، وليس باعتبارها قضية سياسية وطنية.

وفي السياق، إن بايدن اكتفى منذ توليه رئاسة الإدارة الأميركية برفع الحظر الاقتصادي الذي فرضته إدارة ترامب على سلطة رام الله، وزيادة الدعم المالي، بدون أن يغيّر من واقع التعامل السياسيّ الذي فرضته الإدارة السابقة في التعامل مع القضية الفلسطينية، وفي المقدمة تغيير الموقف الأميركي من القدس، والاعتراف بها عاصمة للكيان، ونقل السفارة الأميركية إليها، وعدم الاستجابة للمطلب الفلسطيني المتمثل بأضعف الإيمان، وهو افتتاح قنصلية أميركية للفلسطينيين في القدس الشرقية، فهو أوّل رئيس أميركي لا يعيّن مبعوثا له للشرق الأوسط، لتولّي الملف «الإسرائيلي» الفلسطيني، ولم يأت بمشروع سياسيّ ، وهو ينفّذ سياسة ترامب، بدون أن يجابه بالمقاطعة والمعارضة الفلسطينية التي جوبه بها الأخير، مثلما تنفذ حكومة لبيد سياسة حكومة نتنياهو، بدون أن تواجَه بمعارضة من الداخل.

رفض بايدن لقاء أمهات الأسرى والشهداء بل ورفض حتى لقاء عائلة الصحفية أبو عاقلة بل وتعدى ذلك لإجراءات أمنية دللت على أنه يتعامل مع القضية الفلسطينية معاملة أمنية وأنه وجب توظيف كل شي فيها في إطار أمني لحماية الاحتلال وتصعيد الفتنة.

الآن وفي ظل الصفعة الأمريكية للسلطة والتي كانت واضحة المعالم وعنوانها تجريد رسمي وسيادي ووطني من صيغتها وحصرها في معادلة التنسيق الأمني والتحسينات التقنية والاقتصادية والتي أصلا ريعها لصالح الاحتلال.

وبين هذه المعادلات وغياب المؤسسات المنتخبة والتعامل مع القضية الفلسطينية والشعب على أنه عشيرة لها كبير، تمادى الاحتلال أكثر وأخذ الضوء الأخضر الثاني بعد أن منحهم ترامب الأول يهودية الدولة والقدس عاصمة للكيان ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، ليأتي بايدن بتعزيز صهيونيته وإبراز حبه الأزلي للكيان من خلال زيارة حميمية يريد فيها مصلحة منهم وهم يريدون مصلحتهم الدائمة، فلأول مرة يكون رئيس أمريكي بهذا المشهد مع الاحتلال، فالذي دفعه لذلك أمنهم الذي في خطر وكذلك وعده لأوروبا بحل مشكلة الطاقة لديهم، فإذا لم تقم “إسرائيل” بالدور فوعده في خطر.

زيارة بايدن لعباس كانت عبارة عن مجاملة ، زيارة المضطر، بايدن بعد تسلمه الرئاسة لم يلتفت للقضية الفلسطينية و لم يقدم التسهيلات المطلوبة لها ، وتأخر في الاتصال بمحمود عباس عدة اشهر، لكنه مضطر للقاء به طالما هو يزور المنطقة.

في كلمته قال بايدن لعباس : حل الدولتين بعيد المنال- هناك قيود على الفلسطينيين- الشعب الفلسطيني يشعر بالحزن.

لكن في الاتفاق الامريكي «الإسرائيلي» الموقع ، جاء ما هو أخطر من ذلك : (على السلطة مناقشة الفرص مع الإسرائيليين).

ما بين السطور ، حدد بايدن الموقف الامريكي بالتالي : القضية الفلسطينية ليست أولوية طوال عهد بايدن- إدارة بايدن ليست في وارد تحريك عملية «التسوية» – إدارة بايدن ليست في وارد التحدث مع «الاسرائيليين» في مطالب السلطة ، ولا في الضغط على حكومة يمينية مشرذمة ضعيفة مقبلة على انتخابات مبكرة.

هناك عدد من العوامل يجب التوقف عندها من خلال زيارة بايدن ومواقفه :

-اعلان تجميد عملية التسوية والمفاوضات بين السلطة وحكومة الاحتلال إلى أجل غير مسمى، فالظروف «الإسرائيلية» المحلية والوضع الإقليمي والدولي لا يسمحان بذلك.

-سعى بايدن وتعهد بادماج الكيان الصهيوني في المحيط ، هذا يعني تعاون «اسرائيلي» عربي اكبر وانفتاح أكثر، وارتباط متبادل بقضايا استراتيجية، وهذا يعني في المقابل مزيد من التجاهل للقضية الفلسطينية ولمكانة السلطة ودورها.

-لقد استبعد بايدن السلطة – من كل اللقاءات الإقليمية، اثناء جولته ، واستبعدت – كذلك في الفترة الأخيرة من كل اللقاءات الإقليمية في مصر والاردن والبحرين والامارات والسعودية.

– كيف ستكون العلاقة مستقبليا بين السلطة وباقي مكونات المجتمع الفلسطيني ، طالما هناك فجوة سياسية هائلة بين قوى المقاومة والسلطة ، وطالما كانت المواقف الشعبية أقرب إلى هدف الوحدة الوطنية ومقاومة الاحتلال. وهو ما تفضته السلطة.

السلطة الفلسطينية هي نتاج عملية التسوية، كيف سيكون مصيرها اذا انتهت هذه العملية، السلطة الفلسطينية تتآكل وتتصدع ، الشعب الفلسطيني في كل مكان يهتف للمقاومة .

لقد دفن بايدن عملية التسوية ونعى قيام الدولة ، لذلك بقي أمام السلطة خيار البقاء جهاز عمالة وتنسيق أمني مع لاحتلال الصهيوني

عن علي محمد

مدير التحرير

شاهد أيضاً

المشهد الفلسطيني : وحدة الساحات .. تمنع « بزوغ الفجر» للمقاومة اليد العليا

إعداد علي محمد في «سيف القدس» ومن بعدها عملية الهروب الأسطوري من سجن «جلبوع» انكشف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار