( الموقف الحركي )

جولة بايدن في المنطقة

بين الرابح الصهيوني والخاسر الفلسطيني

(مجلة فتح العدد – 754)

لا تزال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة تستحوذ على الاهتمام السياسي من قبل العديد من دول العالم وقواه السياسية، نظراً للأسئلة الكثيرة التي أثيرت حول أسباب تلك الزيارة في هذا التوقيت بالذات، وخاصة أن بايدن كان ممانعاً لزيارة المنطقة وما هي الدوافع الحقيقية لها، وما علاقة الحرب الأوكرانية-الروسية بها، وما هو تأثيرها على الكيان الصهيوني، أسئلة كثيرة أثارتها تلك الزيارة وخاصة أنها تأتي قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقررة في تشرين الثاني المقبل، وسط تضاؤل شعبية بايدن وتوقع العديد من المراقبين من نجاح الجمهوريين في كسب مقاعد الأغلبية في مجلس النواب والشيوخ.

مما لاشك فيه بأن زيارة بايدن لم تأت من موقع قوة أمريكا وعنجهيتها المعتادة على ممارستها مع الأنظمة التابعة والعميلة لها، بل إنها تأتي من موقع ضعف تعاني منه الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة خلال العقد الماضي، وذلك من خلال بروز دول وقوى شكلت وتشكل عقبات كثيرة أمام المشروع الأمريكي على مستوى العالم من كوبا إلى كوريا الشمالية إلى فنزويلا وإيران والصين وروسيا، والعديد من دول العالم الأخرى التي تحاول التفلت من القبضة الأمريكية، هذا إضافة إلى الحرب الروسية –الأوكرانية التي كشفت ضعف الإدارة الأمريكية وعدم قدرتها على حماية أوكرانيا.

في الحديث حول خلفيات الزيارة الأساسية ثمة نقطتان أساسيتان، الأولى هي التأكيد الأمريكي الأبدي على الحفاظ على الأمن الصهيوني وهذا ما قاله بايدن قبل الزيارة بأسابيع، والنقطة الثانية هي محاولة إقناع دول الخليج العربي زيادة ضخ النفط والغاز لأمريكا وأوروبا، أما باقي القضايا مثل الناتو العربي والقضية الفلسطينية، وكثير من الأمور فهي تبقى هامشية وليس لها أهمية تذكر.

فالنقطة الأولى ألا وهي الحفاظ على الأمن الصهيوني فقد كانت باكورة جولته والمحطة الأولى زيارة الكيان الصهيوني حيث ابتدأ من مطار بن غوريون كلمته بأنه ليس من الضروري أن يكون الصهيوني يهودياً، وهذه رسالة قوية بأنه صهيوني حتى وإن لم يكن يهودياً تعبيراً عن انتمائه للحركة الصهيونية، ومن ثم حديثه عن حل الدولتين بأنه لا يرى الظروف مناسبة لذلك، بل إن في توقيع إعلان القدس الذي وُقّع بين الجانبين الأمريكي والصهيوني وأطلق عليه (إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية) هو ليس بجديد سوى أنه يعبر عن الإرتباط العضوي بين الجانبين وخاصة في الجانب الأمني التسليحي، وعدم السماح لإيران بالسلاح النووي، وهذان الجانبان هما الأهم بالنسبة للكيان الصهيوني حيث أنه يخشى من أن يتم توقيع اتفاق أمريكي إيراني مهما كان شكله، وأن تبقى الإدارة الأمريكية تدعم الكيان بالأسلحة الحديثة والمتطورة.

أما على المقلب الفلسطيني واللقاء الذي حصل لمدة ساعة بين ما يسمى رئيس السلطة الفلسطينية وجو بايدن فهو لقاء مجاملة لا أكثر ولا أقل ، لأن بايدن حدد من لحظة وصوله إلى الكيان الصهيوني بأن لا جدوى من الحديث حول حل الدولتين الذي تنشده السلطة الفلسطينية وتراه الحل الأساسي لمعضلة الوجود الفلسطيني، أما ما يتعلق برفع منظمة التحرير عن قائمة الإرهاب وافتتاح قنصلية فلسطينية وغيرها من الأمور الأخرى فهي ليست في وارد الأمريكي لأنه لا يراها مهمة، لذلك يمكن القول بأن الجانب الفلسطيني هو الخاسر الأكبر من تلك الزيارة، حتى وإن حاول البعض تجميلها من خلال تمسك الجانب الفلسطيني بثوابته التي يرددها بشكل دائم والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، لأن شعبنا الفلسطيني بكافة قواه الوطنية وشرائحه رفض تلك الزيارة ولم يعول عليها أبداً.

وفيما يتعلق باللقاءات التي جرت في السعودية خاصة مع ولي العهد محمد بن سلمان فيعتبر ذلك انتصاراً له لأن جو بايدن كان يرفض اللقاء معه والذي اتهمه قبل سنتين بمقتل الخاشقجي وقال كلمته الشهيرةة (بأنه سوف يجعل السعودية بلداً منبوذاً)، والآن يأتي جو بايدن إلى السعودية صاغراً، محملاً بأعباء ثقيلة ليلتقي قادة عرب ويحاول أن يستعيد دور الولايات المتحدة في المنطقة بعد أن أصبحت روسيا والصين في قلب المنطقة وأصبحا لاعبين أساسيين يحسب لهما ألف حساب من قبل واشنطن.

وما جرى في القمة الأمريكية-العربية عكس أجواءً غير مريحة بالنسبة للجانب الأمريكي الذي كان يعتقد واهماً بأن مجرد الطلب من دول الخليج بزيادة إنتاج الطاقة سوف يجد قبولاً لذلك الطلب ولكنه نوّه بأن الطلب يحتاج إلى دراسة وتدقيق، وهذا في مضامينه يعني بعدم الرضا الخليجي على الطلب الأمريكي، أما حول الناتو العربي فلم يطرح لا من قريب ولا من بعيد علماً بأنه كان على نار حامية كما كان يشيع البعض من الأعراب، ولكن من الواضح بأن الأمور لم تنضج بعد لإنشاء ذلك الحلف، وخاصة أنه سوف ينشأ على قاعدة الصراع مع إيران، ولكن ما حصل قبيل انعقاد القمة أنه تم ارسال وزير من الإمارات العربية المتحدة إلى طهران إضافة إلى أن الأردن قالت بأن هناك علاقات جدية تربطنا بإيران، ومصر تحدثت بنفس النغمة، حتى السعودية وعلى لسان ولي عهدها قال بأن إيران دولة جارة بالنسبة للسعودية، أي بمعنى أن دول ما يمسى التحالف العربي غير راغبة في الصراع مع إيران، وذلك ما يحبط المشروع الأمريكي الصهيوني القائم على افتعال الحرب مع إيران.

أما من حيث التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإن التطبيع قائم منذ سنوات بل منذ عقود مع تلك الدول مثل مصر والأردن والإمارات وعمان والبحرين، وإن كان الجانب الصهيوني يراهن على مزيد من علاقات التطبيع وخاصة السعودية التي فتحت أجواءها للطيران الصهيوني منذ مدة وذلك ليس بالأمر الجديد، أما صوت تشكيل حلف عربي صهيوني في مواجهة إيران فهذا شيء لم يبحث في هذه القمة.

وفي كل الأحوال فإن زيارة بايدن للمنطقة كانت فاشلة إذا ما قورنت بزيارة ترامب قبل خمس سنوات حيث وقع عقوداً وصلت ما يقارب الخمسمائة مليار دولار مع السعودية وعاد إلى وطنه وهو مزهواً بما حققه أما بايدن فإنه عاد خالي الوفاض إذ لم يحصل حتى على زيادة إنتاج الطاقة التي كان يطمع إليها بالدرجة الأولى بعد أن وصل ارتفاع سعر غالون البنزين إلى ما يقارب الخمسة دولارات، وعلى الجانب الآخر لم يستطع اقناع تلك الدول بزيادة إنتاج الطاقة لأوروبا المحاصرة في هذه الأيام من الجانب الروسي.

وما يهمنا نحن كفلسطينيين في هذا الإطار أن شعبنا الفلسطيني رفض تلك الزيارة، ولم يعوّل عليها، بل إنه قام بالعديد من الاعتصامات والمظاهرات الرافضة لها، وفي ذلك صفعة لكل من يراهن على أن أمريكا ستكون شريكاً نزيهاً، بل إنها رأس الأفعى الداعم الأساسي والرئيس للكيان الصهيوني، لذلك يجب نزع الأوهام من أذهان أولئك اللاهثين وراء سراب سلام مزعوم مع الكيان الصهيوني بمبادرة أمريكية وليبقى الصراع مفتوحاً مع العدو الصهيوني الغاصب ومع كل من يدعمه إن كان عربياً أو أجنبياً.

عن علي محمد

مدير التحرير

شاهد أيضاً

الأخ/ أبو عمر المصري يشارك في المؤتمر الصحفي للأمناء العامين

  شارك الأخ أبو عمر المصري عضو اللجنة المركزية، مسؤول الإعلام والدراسات الفلسطينية في حركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار