عام على الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا … هل تشهد أوكرانيا موجة جديدة من التصعيد خلال الفترة القادمة؟

(عن إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية بتصرف)

(مجلة فتح العدد – 758)

مع قُرب انتهاء فصل الشتاء، وبدء فصل الربيع الذي يُنظر إليه على أنه يمثل بدء مرحلة جديدة في الحرب الروسية–الأوكرانية، تزداد التوقعات بحدوث تصعيد جديد في مسار الحرب؛ الأمر الذي دفع إلى تحذيرات دولية من مخاطر هذا التصعيد المحتمل..

الإصرار الروسي

ثمة عدد من المؤشرات تعزز احتمالات أن تشهد الحرب الروسية الأوكرانية تصعيداً خلال فصل الربيع، أو تفسر تزايد الاعتقاد الدولي بالإقدام على مثل هذا التصعيد. وهذه المؤشرات متعلقة، في جانب منها، بطبيعة التحركات والسياسات الروسية. ويمكن تناول أبرز هذه المؤشرات فيما يلي:

1- توقعات أوكرانية بتصعيد روسي خلال الأشهر القادمة: بعد مرور عام على الحرب الأوكرانية، تشير تصريحات المسؤولين الأوكرانيين إلى إدراكهم أن الشهور القادمة قد تكون أصعب مما مضى، وأنها قد تشهد تصعيداً عسكرياً روسياً، وهو ما يدفعهم لتعزيز المطالبات بالدعم العسكري الغربي وتزويد الحلفاء الغربيين لكييف بالمزيد من الأسلحة لمواجهة هذا التصعيد المحتمل.

2- تعيين رئيس الأركان قائداً للعملية العسكرية الخاصة: عين وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، رئيسَ هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي فاليري جيراسيموف، قائداً للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا؛ الأمر الذي أرجعته موسكو إلى زيادة المهام التي يتعين إنجازها، والحاجة إلى تفاعل أوثق بين مكونات الجيش؛ ما قد يشير إلى إقدام موسكو على عمليات عسكرية أوسع أو أكثر كثافة خلال فصل الربيع.

3- تقدُّم عسكري روسي باتجاه إخضاع «باخموت»: تحاول القوات الروسية منذ شهور السيطرة على «باخموت» في إقليم دونيتسك الشرقي، الخاضعة للسيطرة الأوكرانية، إلى حد جعلها تُعتبر أطول معركة في الحرب الأوكرانية حتى الآن. وتشير التطورات الميدانية الأخيرة إلى تكثيف العمل العسكري الروسي لإخضاع البلدة، مع مؤشرات على إحراز تقدم روسي باتجاه تحقيق هذا الهدف، بالشكل الذي دفع بعض التقديرات إلى اعتبار أن موسكو تسير باتجاه النجاح في تحقيق السيطرة على «باخموت»، كخطوة على طريق استمرار العمليات الرامية إلى تحقيق وتأمين سيطرة روسية في منطقة «دونباس».

.

 

4- استمرار الرئيس «بوتين» في خطابه التصعيدي: واصل الرئيس الروسي سياسة التصعيد ضد القوى الغربية وأوكرانيا؛ ففي خطابه أمام الجمعية الفيدرالية يوم 21 شباط ، اتهم الرئيس الروسي الدول الغربية بالتسبب في بدء الصراع بأوكرانيا. وأكد «بوتين» مواصلة العملية العسكرية، وذكر أن «بلاده تواجه خطراً وجودياً»، وأضاف أنه «من المستحيل هزيمة روسيا في أرض المعركة». هذا الخطاب يشير إلى استمرار المحددات الحاكمة لرؤية بوتين للصراع، وهو ما يرجح احتمالية الدخول في مرحلة جديدة من التصعيد في أوكرانيا.

5-الرسائل السلبية لقرار الانسحاب الروسي من معاهدة «نيو ستارت»: أعلن الرئيس الروسي «بوتين»، يوم 21 شباط، تعليق مشاركة بلاده في معاهدة «نيو ستارت»، وهي اتفاقية مشتركة مع الولايات المتحدة تستهدف الحد من عدد الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية التي يمكن للبلدين نشرها. هذا الإعلان استبطن عدداً من الرسائل السلبية التي قد ترشح الأوضاع للمزيد من التصعيد في أوكرانيا؛ فالانسحاب الروسي يبعث رسالة أن موسكو ليست على استعداد للدخول في مفاوضات في الوقت الراهن، كما أعاد القرار الخيار النووي إلى الواجهة مجدداً، وخاصة أن الرئيس «بوتين» حرص في خطابه، يوم 21 شباط الماضي، على التأكيد قوة الترسانة العسكرية الروسية، وذكر أنه «مستعد لاستخدام كل الوسائل الضرورية للدفاع عن وحدة أراضي روسيا»

6- وجود مصادر خارجية للدعم العسكري لموسكو: بالرغم من الحديث الشائع في الإعلام الغربي عن أن موسكو فقدت الكثير من مخزونها التسليحي في الحرب الأوكرانية، فإن ثمة مؤشرات تكشف عن وجود مصادر خارجية للدعم العسكري والتسليحي لموسكو؛ فثمة مصادر لإمداد موسكو بالمقاتلين من الخارج، وخصوصاً عبر مجموعة فاجنر التي تستقطب مقاتلين من دول مختلفة. ومن جهة أخرى، كشفت تطورات الصراع عن انخراط إيران في الحرب عبر تقديم الأسلحة لموسكو، وخصوصاً الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع. كما اتهمت الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بعض الدول – وعلى وجه الخصوص كوريا الشمالية والصين – بتقديم دعم تسليحي لموسكو.

مُحفِّزات غربية

 

على الجانب الآخر، ثمة عدد من المؤشرات تُعزز احتمالات التصعيد في الحرب الروسية الأوكرانية خلال فصل الربيع، أو تفسر تزايد الاعتقاد الدولي بالإقدام على مثل هذا التصعيد. وتأتي تلك المؤشرات على هيئة مُحفِّزات غربية، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:

 

1-اتهامات روسية لأوكرانيا بالإقبال على استخدام قنابل قذرة: تتهم روسيا أوكرانيا بامتلاك قنابل قذرة والتفكير في استخدامها في ساحة المعركة، وهو ما ورد على لسان أكثر من مسؤول روسي، منها ما سبق أن صرح به وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، لوزراء دفاع حكومات غربية، في تشرين أول الماضي، من أن أوكرانيا قد تستخدم القنبلة القذرة، التي تحتوي على مواد مشعة بالإضافة إلى متفجرات تقليدية. ورغم التكذيب الغربي للمخاوف الروسية ووصفها بـ«الادعاءات»، فإن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أكد حقيقة تلك التهديدات، واستنكر عدم ثقة الحكومات الغربية بالمعلومات التي قدمتها موسكو لهم بهذا الشأن.

.

 

2-الانعكاسات المحتملة لزيارة الرئيس الأمريكي لكييف: ربما تؤدي زيارة الرئيس الأمريكي «بايدن» المفاجئة لكييف، يوم 20شباط الماضي، إلى تعقيد مشهد الصراع، وتدفع نحو مرحلة جديدة من التصعيد؛ فخلال الزيارة التي استمرت لساعات قليلة تعهد الرئيس الأمريكي بمواصلة الدعم وتقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا. اللافت أن هذه الزيارة تعطي لخطاب موسكو بشأن المؤامرة الأمريكية والغربية ضدها المزيد من الزخم، ومن ثم، قد تستغل القيادة الروسية الزيارة لتبرر للداخل الروسي استمرار العملية العسكرية.

3-الإعلان عن تسليح أوكرانيا بدبابات من الدول الغربية: بعد مطالبات مستمرة من أوكرانيا لحلفائها الغربيين بتزويدها بدبابات لمواجهة الهجوم الروسي، وشن هجوم مضاد لاستعادة الأراضي الأوكرانية، استجابت الدول الغربية وتعهدت بتزويد كييف بشحنات من الدبابات ضمن حزم المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا

4-تقارير حول استئناف أمريكي لبرامج فائقة السرية بأوكرانيا: تداولت تقارير إعلامية أنباءً عن حث وزارة الدفاع الأمريكية الكونجرس الأمريكي على استئناف تمويل البرامج الفائقة السرية بأوكرانيا، التي توقفت مع اندلاع الحرب الأوكرانية؛ بحيث يمكن للجيش الأمريكي توظيف عملاء أوكرانيين لتعقُّب تحركات القوات الروسية. ورغم أن هذه البرامج سيتم استئنافها حال موافقة الكونجرس على ذلك، مطلع العام القادم، فإن موسكو من الممكن أن تتعامل معه على أنه تصعيد استخباراتي أمريكي مباشر ضدها.

 

5-تفكير في الترخيص لأوكرانيا بإنتاج أسلحة ومعدات غربية: في إطار البحث عن آليات لتخفيف اعتماد كييف على إمدادات الأسلحة من الحلفاء الغربيين، في ظل الطلب الأوكراني المستمر والمتزايد للحصول على أسلحة غربية هجومية ثقيلة، تشير تقارير صحفية بريطانية إلى أن مسؤولين تنفيذيين من قطاع الدفاع البريطاني سافروا إلى كييف لمناقشة خطط إقامة مشروعات مشتركة لتصنيع أسلحة ومركبات محلياً، بالإضافة إلى إجراء شركات تصنيع أسلحة بدول أوروبية أخرى .

محاولات للضبط

ختاماً، وبعيداً عن كون التصعيد المحتمل في مسار الحرب الأوكرانية تصعيداً للحسم في ضوء طول أمد الصراع واستنزافه قدرات الأطراف المختلفة، أو كونه تصعيداً من أجل التهدئة والوصول إلى طاولة المفاوضات وتسوية تحقق الأهداف الأدنى لمختلف الأطراف، أو حتى إذا ما كان تصعيداً مرحلياً في إطار مراحل الصعود والهبوط في الحروب الطويلة؛ فإنه على الجانب الآخر، يمكن ملاحظة بعض المؤشرات على محاولات ضبط التصعيد والحيلولة دون تفلته؛ ففضلاً عن أن كثيراً من تصريحات التصعيد الغربي والروسي خلال العام الماضي من الحرب – ومنها التلميحات باللجوء إلى الأسلحة غير التقليدية – لم تُترجم فعلياً إلى تصعيد ميداني كبير؛ فإن الدول الغربية لا تزال ترفض مطالبات الجانب الأوكراني بتزويده بطائرات قتالية عقب تزويده بالدبابات؛ الأمر الذي سُيُنظر إليه – إن حدث – على أنه تصعيد جديد، قد يكون غير مأمون العواقب. فضلاً عن رفض تزويد كييف بأسلحة وأنظمة صواريخ بعيدة المدى؛ خشية أن تستخدم أوكرانيا تلك الأسلحة في ضرب عمق الأراضي الروسية أو شبه جزيرة القرم، رغم التعهدات الأوكرانية بعدم فعل ذلك.

 

الأمر الذي يشير إلى حرص الولايات المتحدة والدول الغربية على عدم انفلات الصراع، وعدم تزويد أوكرانيا بأسلحة قد تفتح تصعيداً مباشراً بين الغرب وروسيا، وهو ما عبر عنه مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، بقوله إن الرئيس الأمريكي جو بايدن ليس مستعداً لتسليم أوكرانيا صواريخ يصل مداها إلى 300 كيلومتر، في ظل سعيه لتجنب حرب عالمية ثالثة.

عن علي محمد

مدير التحرير

شاهد أيضاً

اتفاق طهران – الرياض… ضمان أمن المنطقة دون وجود الولايات المتحدة

(عن موقع الوقت الالكتروني) الإعلان عن الاتفاق الرسمي بين إيران والسعودية في بكين لاستئناف علاقاتهما …

آخر الأخبار