ثمة تعاون حثيث ين المجتمع الحريدي ووزارة الحرب الإسرائيلية أفرز ما يعرف بكتيبة “نيتسح يهودا” التي بات اسمها أكثر تواترًا في الآونة الأخيرة بسبب كثرة جرائمها بحق الفلسطينيين.
وتعدّ كتيبة “نيتسح يهودا” أكثر كتائب جيش الاحتلال تطرفًا وأصولية، يصفها الخبراء العسكريون الإسرائيليون بأنها كتيبة متمردة يمينية ومتدينة، ارتجالية وقمعية، لها سجل طويل من الانتهاكات التي تحولها من كتيبة إلى ميليشيا، لكنها تحظى باستقلالية كبيرة ومحصنة شبهَ كليٍّ من المحاسبة داخل الجيش أو من محاكم الاحتلال.
تضم جنودًا من غلاة المتدينين “الحريديم الأرثوذكس”، بالإضافة للمستوطنين ذوي القناعات الأيديولوجية المتطرفة، والأفكار التوراتية المعادية للعرب والفلسطينيين، ما يدفعهم إلى التنافس الداخلي لممارسة العنف الانتقامي ضدهم.
تأسست كتيبة “نيتسح يهودا” في العام 1999، كإحدى الكتائب التابعة لسرية كفير التي تحمل رقم 900، بناءً على تعاون حثيث بين المجتمع الحريدي ووزارة حرب الاحتلال؛ بهدف دفع الشبان الحريديم للتجند في صفوف الجيش.
كتيبة دينية
هي كتيبة دينية تسمح لليهود المتدينين بالانخراط بالجيش في جو يتوافق مع معتقداتهم الدينية، ضمت في البداية 30 جنديًّا؛ لكنها نمت كثيرًا مع مرور السنين، ووصلت إلى وضع كتيبة تعمل بطاقتها كاملة، ووصل عدد جنودها إلى أكثر من 1000 جندي.
في البداية عُرفت الكتيبة باسم “ناحال حريدي” وهي اختصار للكلمات العبرية الثلاث “نوعار إكسزافي حريدي” ومعناها “الشباب العسكري الملتزم”، ثم تغير الاسم إلى “نيتسح يهودا” ومعناه “يهودا الأبدي”.
لا تضم الكتيبة في صفوفها نساء، وتتبع أعلى معايير القوانين الغذائية اليهودية، وتتخذ من “الكوشير” (حلال وفقاً للشريعة اليهودية) طعامًا لها، ولا تعمل يوم السبت، وتتبع كل هذه الإجراءات من أجل تشجيع أكبر عدد ممكن من المتدينين اليهود على الالتحاق بالجيش.
قانون الكيان الصهيوني يلزم “المواطنين والمواطنات” بالخدمة العسكرية الإجبارية، لكن القسم الأكبر من المتدينين اليهود يرفض أداء الخدمة بداعي التفرغ لدراسة الدين، كما أنه ومنذ قيام الكيان تم الاتفاق بين ديفيد بن غوريون وقادة الحركة الحريدية على تجنيد نسبة بسيطة جدًّا من شباب التيار الحريدي في الجيش.
وهو ما أثار الكثير من الجدل داخل الكيان حول المزايا التي يتمتع بها هذا التيار المتشدد، والذي يشكل نحو 12% من السكان، حيث تنفق الدولة على أبناء هذا التيار حتى بعد تجاوزهم سن الـ18 عامًا من خلال تكفلها بمصاريف تعليمه ومسكنه وأكله وشربه، ولهذا السبب تحديدًا أسست كتيبة “نيتسح يهودا” من جانب مجموعة من الحاخامات لاستهداف وتجنيد الشباب من خلفيات حريدية.
مهمة مقدسة
تعمل الكتيبة بالأساس في منطقة رام الله وضواحيها، ومسار التجنيد فيها يتبع النمط المسمى “ييشيفاة هيسدير”، وهو مسار يجمع بين العلوم العسكرية والعلوم الدينية التوراتية.
ومع أن الكتيبة تأسست عام 1999 كحاضنة للشباب الحريدي المتسرب من الدراسة، إلا أنها تضم عددا قليلا من الحريديم، وتحولت مع السنوات إلى كتيبة دينية- سياسية، وهي تضم في صفوفها أفرادًا من “شبيبة التلال” الصهيونية المتطرفة، بالإضافة إلى مستوطنين حريديين، ومستوطنين متدينين آخرين لا يرغبون بالاختلاط مع النساء؛ لكون الكتيبة تعرف نفسها كتيبة عسكرية دينية.
ما يميِّز هذه الكتيبة هو تبلور عقيدة أيديولوجية دينية سياسية تدفع جنودها إلى الاعتقاد بأن فرض الحكم على الفلسطينيين وضبطهم يعدّ مهمة “مقدسة” دينيًّا، وليس مجرد مهمة عسكرية مرتبطة بقرارات صادرة عن قيادة الجيش، كما أوضح إيتمار ديشل، وهو نقيب في جيش الاحتلال، وكان قائد كتيبة “نيتسح يهودا” بين 2016-2018، ولأن معظم جنود هذه الكتيبة كانوا قد تمردوا في السابق على أسرهم وحاخاماتهم وفشلوا في دراسة التوراة، فإنهم يجدون في “الحكم المقدس” على الفلسطينيين مناسبة لإثبات الذات من خلال ممارسة العنف المفرط، وهو أمر معروف لكل قادة هذه الكتيبة.
محصنون من أي عقاب
توضح صحيفة (هآرتس) العبرية أن كتيبة “نيتسح يهودا” هي كتيبة متمردة، وتتلقى أوامرها من قادة المستوطنين وحاخامات الصهيونية الدينية الذين يزورون قاعدتها باستمرار، أكثر من كونها تتبع إلى قيادة الجيش، وأفرادها محصنون شبهَ كليٍّ من أي عقوبة، على الرغم من ثبوت حالات من استخدام العنف المفرط وغير المبرر، والتعدي على الفلسطينيين المارة بدون سبب، وسرقة معدات صحافيين أجانب، واقتحام بيوت ومنشآت فلسطينية بدون أوامر عسكرية مسبقة، لكن القيادة العليا للجيش والمحاكم العسكرية تتسامح مع كل ما يُجرى.