(عن موقع الوقت الالكتروني)
كثيرون يتذكرون تصريحات رئيس الوزراء الصهيونيّ الأسبق نفتالي بينيت، التي أشار فيها إلى أنّ الكيان يواجه مفترق طرق تاريخيّ، فإما المضي قدماً باحتلال فاعل أو العودة إلى الفوضى والكراهية الداخلية والضعف الخارجيّ واستعباد الكيان لحاجات رجل واحد، في إشارة إلى رئيس الوزراء القادم بنيامين نتنياهو، ما يعني بالنسبة للبعض أنّ “إسرائيل تحفر قبرها بنفسها”، وذلك بالنظر إلى أنّ كيان الاحتلال أصبح مستعبداً بشكل كامل لاحتياجات الجماعات الإسرائيليّة المتطرفة، وبالتالي سيدفع الإسرائيليون أثماناً باهظة، وخاصة أنّ مؤسسات الكيان ستصبح بما لا شك فيه مسخرة لخدمة الصهاينة المتطرفين، وقد بات الإسرائيليون بالفعل يشعرون بأنّ الكيان بأسره يعيش دور العبوديّة الكاملة للمتشددين، ما يطرح تساؤولات كثيرة حول مدى تأثير حكومة نتنياهو –راعي التشدد الأول- على مستقبل الكيان الإسرائيليّ.
لا يخفى على أحد حجم الانقسام الذي يعيشه المجتمع الإسرائيليّ بالاستناد إلى نقاط كثيرة أهمها الانتخابات البرلمانيّة وتزايد الشروخات التي تُهدد الكيان بشكل جديّ للغاية، حيث يردد غالبية الإسرائيليين عبارة “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”، وهذا الموضوع يقُضّ مضاجع صنّاع القرار بالكيان اللقيط الذي قام منذ ولادته على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، وإنّ موضوع “مصير إسرائيل” يطغى بشكل كبير على لسان الكثير من المحللين الإسرائيليين، استناداً إلى أدلة كثيرة أهمها التماسك الداخليّ المتآكل.
من ناحية أخُرى، إنّ تعزيز عمليات المقاومة بشكل كبير في مناطق مختلفة من الأراضي الفلسطينيّة السليبة، يُفشل المبدأ الأساس الذي أُقيم عليه الكيان الغاصب لتحقيق وتجسيد الحلم الصهيونيّ على أرض فلسطين المحتلة وهو الإبادة الجماعيّة وإنهاء حالة المقاومة، لكنّ الوضع السياسي المعقد في الكيان يضع الإسرائيليين باعتراف مسؤوليهم أمام “تحد تاريخيّ”، مع سير الدولة اللقيطة في طريق فقدان هذا المشروع وانهيار طموحاتهم الاستعماريّة، والتي لم ينجح تطبيقها رغم كل عمليات التطهير العرقيّ والتهجير القسريّ المستمر بأعتى الأسلحة المتطورة حتى يومنا هذا.
ويبدو أنّ أهمّ السياسيين الإسرائيليين متفقين على أنّ الخطر الحقيقي يكمن في “المجتمع الإسرائيلي”، ناهيك عن القلق العارم من تدهور الكيان قبل نهاية 80 عاماً من الاحتلال، وقد أشار رئيس وزراء الكيان الأسبق نفتالي بينيت، في تصريحات سابقة، إلى أنّ السبب الرئيس لتفكك حكومات الكيان السابقة هو الكراهية الداخليّة التي نشأت بين الإسرائيليين، وحذّر حينها من أن “إسرائيل ستنهار من الداخل لأن الكراهية بين الأفراد تؤدي إلى تفكك الأمم”، وهذا بالتحديد ما أوضحه رئيس حكومة الاحتلال السابق يائير لابيد، الذي أكّد أنّ “الإسرائيليين قريبون من نقطة اللا عودة”، حيث يشير المشهد الإسرائيليّ العام، وخاصة على الصعيدين السياسيّ والاجتماعي، إلى الحال الذي وصل إليه الكيان الغاصب من الترنح العميق في كل السلطات والمجتمع الصهيوني في آن واحد.
وفي هذا الشأن، يؤمن الكثير من الإسرائيليين أن حياة حكومتهم لن تدوم أكثر من 80 عاماً، ما يعني أنّ “إسرائيل” التي أُسست على أنقاض فلسطين في 14 مايو 1948، بدأت الآن طريقها نحو الاضمحلال، وسينتهي هذ الأمر قبل عام 2028، وخاصة مع تسلم المتطرفين زمام الأمور في الكيان، وفي ظل الانقسام الشديد بين الصهاينة بدءاً من الشارع ووصولاً إلى الكنيست (السلطة التشريعية) والحكومة (السلطة التنفيذية)، وليس انتهاءً عند السلطة القضائية، تماشياً مع أسلوب “تكسير العضم” داخل النظام السياسيّ الإسرائيليّ وهذا ما يؤكّده مشهد الصراع بين كل السلطات، بما يؤثر بالتأكيد على مستقبل الكيان الصهيونيّ اتفاقاً مع “لعنة الثمانين”، أي المصير المجهول الذي تسير نحوه “الدولة اليهوديّة” -المزعومة-، مع انتقال العدو بشكل كامل من مرحلة العنصريّة المقيتة إلى الفاشيّة الشدّيدة.
أيضاً، أشار وزير الحرب في الكيان الصهيوني بيني غانتس، سابقاً، إلى قضية تراجع “إسرائيل” و هيمنة العرب على فلسطين قائلاً: “إن من كتبوا في هذا الخصوص كانوا على حق، فإن مستقبل الدولة اليهودية يمكن أن ينتهي بين “الجديرة والخضيرة” وهي مدن في الداخل الفلسطينيّ المحتل، وكما قال بعض الإسرائيليين تستطيع قوات الاحتلال تدمير أبنية في إحدى المناطق، لكنّها لن تستطيع أبداً وقف عملية التدمير الذاتيّ الداخليّ للكيان، إذ إنّ السرطان الذي يعاني منه كيان الاحتلال قد بلغ مراحله النهائية ولا سبيل لعلاجه لا بالأسوار ولا بالقبب الحديدية ولا حتى بالقنابل النووية، فالتاريخ علم اليهود أنّه لا يمكن لدولةً يهودية أن تستمر لأكثر من 80 عاماً، وهذا ما دفع نتنياهو، للقول: “سأجتهد لكي تبلغ إسرائيل عيدها المائة”، لكنّه وكما تقول الوقائع سيقوم بعكس ذلك.
خلاصة القول، إنّ ما تعيشه الأراضي الفلسطينيّة الرازحة تحت نير الإرهاب الصهيونيّ، يؤكّد أنّ لدى المجتمع الإسرائيليّ المنقسم على ذاته، أزمة ثقة كبيرة مع حكوماته فهو غارق بالمشكلات الاقتصادية والفوضى الأمنيّة والسياسية، لكنّ الإسرائيليين إن أجمعوا على شيء فهو “نهاية الكيان الإسرائيليّ” الذي جمع يهود العالم من أصقاع العالم لسلب هذا الأرض بكذبة أنّ فلسطين هي “أرض الميعاد” وأنّ اليهود هم “شعب الله المختار”، وأنّ القدس هي “مركز تلك الأرض”، وأنّها “مدينة وعاصمة الآباء والأجداد”، و”مدينة يهوديّة بالكامل”، بهدف الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين بأقل عدد ممكن منهم، لكن وكما شجعت الحركة الصهيونيّة بشكل كبير جداً، هجرة يهود أوروبا الجماعيّة إلى أرض فلسطين خلال النصف الأول من القرن العشرين، لإبادة هذا الشعب وسلب أرضه، يجب أن تستعد لما هو آت، والأيام القادمة ستشهد.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام والدراسات الفلسطينية، وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً