منذ حصولها على وعد بلفور في الثاني من تشرين الآخِر/ نوفمبر 1917، عملت الحركة الصهيونية على إثبات مقولتها بأن فلسطين أرض بلا شعب، من خلال سرقة الأرض، وارتكاب المجازر، لإفراغ فلسطين من أهلها وإجبارهم على ترك وطنهم.
ولتنفيذ هذه الخطة الإجرامية شكلت العصابات الإرهابية المسلحة، وأشهرها: الهاغاناه، والأرغون، وبيتار، وشتيرن، وبلماح، وهي التي كونت فيما بعد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
عدد المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية من 1937 إلى 1948، زادت على 75 مجزرة، راح ضحيتها أكثر من 5 آلاف شهيد فلسطيني، فضلًا عن إصابة الآلاف.
ورغم محاولات الاحتلال الحثيثة لإخفاء وطمس حقيقية تلك المجازر، إلا أن شواهد تاريخية كـ”المقابر الجماعية” وشهادات لأفراد العصابات الذين شاركوا في ارتكاب هذه الجرائم، ظلّت دليلًا دامغًا على وقوعها.
وبحسب تقرير لصحيفة “هآرتس” العبرية عام 2019، فإن فرقًا من “وزارة الدفاع الإسرائيلية” أزالت منذ أوائل العقد الماضي مجموعات من الوثائق التاريخية لإخفاء دليل النكبة والفظائع التي رافقتها، كما حاولت إخفاء شهادة من جنرالات حول قتل المدنيين وهدم القرى، أو طرد البدو خلال العقد الأول من قيام الكيان.
سلوك صهيوني عدواني أصيل
\ارتكب الصهاينة عديد المجازر بحق الفلسطينيين أثناء أحداث النكبة عام 1948، وهي امتداد لسلوك صهيوني عدواني أصيل بدأ قبل النكبة بسنوات، فهناك العديد من المجازر الوحشية التي ارتكبت في مدّة مبكرة من الصراع، فمثلًا:
هاجم الصهاينة عائلة أبو عون في يافا، وقتلوهم بدم بارد، وشوهوا جثثهم أثناء ثورة البراق المجيدة عام 1929، ووضعوا أيضًا عبوات ناسفة وسيارات مفخخة في الأحياء العربية في حيفا عام 1937، وقد أدى انفجارها إلى وقوع عشرات الضحايا.
أما مجازر النكبة فتعدّ الذروة في هذا المسلسل الإجرامي الطويل، وقد نفَّذ الصهاينة مجموعة كبيرة من المجازر أشهرها مجازر دير ياسين والدوايمة وسعسع والطنطورة ومجد الكروم وناصر الدين وأبو شوشة ومسجد الدهمش في اللد وغيرها، وقد كان الهدف من هذه المجازر بث الرعب في نفوس المواطنين ودفعهم إلى الهجرة، كما يقول فارس.
مجزرة الطنطورة
ارتكبت المجزرة بعد احتلال قرية الطنطورة، على يد جنود من لواء السكندروني في “الجيش الإسرائيلي”، وقد جُمع الضحايا في مكان واحد وقتلوا بدم بارد، وتشير تقديرات إلى أن عددهم وصل إلى 230 شهيدًا.
كُشف لأول مرة عن وقوع هذه المجزرة عام 1989 على يد أحد المؤرخين الصهاينة، الذي اعتمد على شهادات لشهود عيان فلسطينيين، ولاحقًا جُمعت شهادات جنود صهاينة شاركوا في المجزرة، وقد أفاد عدد منهم أنَّه وُضع عدد من الضحايا في برميل وأُطلق النار عليهم، ولم يُدفن الضحايا مباشرة إنما استغرق الأمر أيامًا حيث أجبر بعض الفلسطينيين على حفر قبر جماعي طوله 35 مترًا وعرضه 5 أمتار، ووضع الشهداء داخله.
لماذا الطنطورة؟
إن استهداف العصابات الصهيونية للطنطورة جاء بسبب موقعها الإستراتيجي، فهي تقع جنوبي مدينة حيفا، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وكان ساحلها طريقًا لإيصال السلاح إلى المقاومة الفلسطينية، كما أن ضعف تحصينها جعلها مطمعًا للعصابات الصهيونية، وقد عبَّرت المجزرة عن وحشية جيش الاحتلال وما يتحلى به جنوده من روح انتقامية.
وقد أدت هذ المجزرة إلى تسريع هجرة القرى المجاورة للطنطورة، وسهَّل ذلك استيلاء العصابات الصهيونية على المنطقة.
تطهير عرقي
عدّ المؤرخ إيلان بابه أن خطورة مجزرة الطنطورة واختلافها عن سائر المجازر في فلسطين لا يعود لحجم ضحاياها فقط، بل لارتكابها على يد “جيش إسرائيل” بعد أسبوع من إعلان قيام “دولة إسرائيل”.
وذكر بابه أن مجزرة الطنطورة التي وقعت بعد نحو شهر من مجزرة دير ياسين استهدفت تحقيق الهدف الصهيوني المركزي المتمثل بتطهير البلاد عرقيًّا بقوة السلاح وترهيب المدنيين وتهجيرهم.