انتخابات الكيان الصهيوني تؤكِّد: الانتماء للعنصريّة والفاشيّة أهّم من الانتماء للأمن
(مجلة فتح العدد – 756 )
وجهّ الكيان الصهيوني عبر الانتخابات العامّة الأخيرة رسالةً حادّةً كالموس للعرب، من مُطبّعين ومُعادين ومُمانعين، وللفلسطينيين، من مُقاومين ومن أولئك الذين ما زالوا يُراهنون على المفاوضات العبثيّة، وللعالم المُنافِق برّمته: الكيان هو دولة عزلٍ عنصريٍّ بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ وتداعيات وإسقاطات، وأنّه أوّل ديكتاتوريّة «إسرائيليّةيقوم على تفوّق العرق اليهوديّ، وبطبيعة الحال نفي الآخر، العربيّ والفلسطينيّ على حدٍّ سواء.
نتائج الانتخابات، أدت إلى عودة بنيامين نتنياهو إلى سُدّة الحكم، مع ائتلافٍ يمينيٍّ-دينيٍّ-عنصريٍّ يشمل 69 نائبًا، أيْ أنّ حكومته القادمة ستكون ثابتةً وغيرُ مرتبطةٍ بأيّ حزب من أحزاب المعارضة.
كما أكدت النتائج أنّ قوّة رئيس الوزراء الحاليّ، يائير لبيد، ما زالت على حالها، ولم تشفع له الجرائم الأخيرة التي ارتكبتها حكومته في الأشهر الأخيرة بحقّ الشعب العربيّ الفلسطينيّ في كلٍّ من الضفّة الغربيّة المُحتلّة وقطاع غزّة، بما في ذلك العدوان على قطاع غزّة، والقتل اليوميّ بالضفّة الغربيّة المُحتلّة،
اللافت، أوْ بالأحرى عدم اللافت أنّ حزب (القوّة اليهوديّة)، الذي يُطالِب علنًا بطرد العرب من فلسطين التاريخيّة، ويعتبر نفسه مكملاً لدرب الحاخام العنصريّ والفاشيّ، مئير كهانا، بات القوّة الثالثة في الكنيست «الإسرائيليّ» بعد حصوله على 15 مقعدًا، ومن المُتوقّع أنْ يُعيّن قائده الأوّل، بتساليئيل سموتشريش، وزيرًا للأمن، وهو الذي أوضح سابقًا أنّ الإسلام هو دين الإرهاب، وطالب بلفّ جثث الفدائيين بجلد الخنزير، فيما سيتّم تعيين القائد الثاني في الحزب، إيتمار بن غفير، وهو الذي «أدانته محكمةً إسرائيليّةً» بارتكاب جرائم إرهاب، سيتّم تعيينه وزيرًا للأمن الداخليّ.
وَمَنْ كان بحاجةٍ للتأكّد بأنّ العنصريّة «الإسرائيليّة» باتت رياضةً وطنيّةً يُمارسها السواد الأعظم من مواطني الكيان نورِد التالي: وزير الأمن الحاليّ، الجنرال المُتقاعِد بيني غانتس، والذي صرّح لدى دخوله المعترك السياسيّ بأنّه أكثر «إسرائيليّ» قتل عربًا، تنافس في انتخابات أمس في قائمة (المعسكر الرسميّ)، وضمّ إليه قائد هيئة الأركان العامّة السابق بجيش الاحتلال، الجنرال غادي آيزنكوط، ولكنّ الحزب فشل فشلاً مدويًا عندما تغلّب عليه حزب (القوّة اليهوديّة) وحصل على أربعة مقاعد أكثر منه، أيْ بكلماتٍ أخرى، لأوّل مرّةٍ في الكيان يؤكّد «الإسرائيليّ» أنّ الانتماء للعنصريّة والفاشيّة أهّم من الانتماء للأمن، الذي كان يُعتبر بقرةً مُقدّسةً في الدولة العبريّة.
وبالرغم من الانتصار الكبير لنتنياهو وتوابعه من اليمين المُتطرّف فإنّ الكيان في النصف الثاني من العام 2022 يعيش أزماتٍ داخليّةٍ مُستعصيةٍ، وتكفي الإشارة في هذه العُجالة إلى التحليل الذي كان نشره بصحيفة (هآرتس) العبريّة، روغل ألفر، والذي أكّد فيه أنّ «إسرائيل قد وقعّت على شهادة وفاتها (زوالها)، وما علينا إلّا الانتظار لمعرفة التوقيت»، مُوضحًا أنّه: «حسب ما يجري من تطورٍ ديمغرافيٍّ يمكن حسابه، وفي نهاية عمليةٍ طويلةٍ، دمويةٍ وشيطانيةٍ، سيؤدي ذلك إلى خراب دولة اليهود والاحتلال»، على حدّ تعبيره.
وبحسب المصادر والدراسات «الإسرائيليّة» فإنّه إذا تمّ الجمع بين التهديدات الخارجيّة (إيران، حزب الله والمقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة)، مع التهديدات الداخليّة، (تأجج الخلافات داخل المجتمع «الإسرائيليّ» على خلفيةٍ اجتماعيّةٍ وسياسيّةٍ ودينيّةٍ وعرقيّةٍ)، فإنّ الكيان يحاوِل تصدير أزماتهإلى الخارج ويحذِّر نفسه من خطورة التهديدات الداخليّة، وبالإضافة لذلك، وَجَبَ التذكير بتصريح قائد جهاز الأمن العّام (الشاباك)، رونين بار مؤخرًا بأنّ الانقسام داخل المُجتمع «الإسرائيليّ» يُشجّع الإرهاب (المقاومة) في فلسطين.
عُلاوةً على ذلك، بدأت في الفترة الأخيرة تنتشِر مقالات وتحليلات بأقلامٍ «إسرائيليّةٍ»-صهيونيّةٍ تتحدّث بشكلٍ صريحٍ عن قرب انتهاء أوْ زوال الدولة اليهوديّة، كما أنّ العديد من الخبراء والمُحللين في الإعلام العبريّ باتوا يُحذّرون من خطورة (الفوضى) السياسيّة التي يعيشها الكيان في الفترة الأخيرة، متوقعين «حربًا أهليّة، لأنّ نتنياهو كما أكّد المُحلِّل روغل ألفر، «سيعود لمنصب رئاسة الوزراء، لكيْ يُقيم في إسرائيل أوّل ديكتاتوريّةٍ قائمةٍ على التفوّق اليهوديّ»، على حدّ تعبيره
جديرٌ بالذكر أنّ ثلاثة أحزابٍ عربيّةٍ خاضت الانتخابات، فإنّ الشقّ الجنوبيّ في الحركة الإسلاميّة، الداعِمة للحكومة الحالية، أيْ (القائمة العربيّة المُوحدّة) حصلت على أربعة مقاعد، فيما حصل تحالف الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمُساواة والحركة العربيّة للتغيير على أربعة مقاعد، أمّا حزب (التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ) فلم يعبر نسبة الحسم.
لا شكّ في أن مهمة تشكيل الحكومة الجديدة لن تكون صعبة أمام نتنياهو، إذ تُعَدّ الإشكاليات في توزيع الحقائب الحكومية أمراً سهلاً لفريقه الحزبي، الذي سيفاوض الأحزاب اليمينية، وخصوصاً في ظل رغبة كبيرة لدى تلك الأحزاب في العودة إلى الحكومة، بعد أن جرّبت تضرّر مصالحها عندما كانت في المعارضة.
قد يكون حزب «الصهيونية الدينية» وزعيماه، بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير، أكبر عقبة أمام نتنياهو في ظل مطالبتها بوزارتي الحرب والأمن الداخلي، التي يرغب نتنياهو في أن تكونا من نصيب حزب الليكود. ومن التجربة، فإن نتنياهو ليس لديه مشكلة في أن يتولى أي منهما إحدى الوزارتين، كما فعل سابقاً مع أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، عندما أعطاهما حقيبة وزارة الجيش، بحيث كانت القرارات الأمنية والعسكرية في يد نتنياهو، من دون أن يتحمّل مسؤولية أيّ فشل.
برنامج حكومة نتنياهو..قراءة مستقبلية
من خلال قراءة البرامج الانتخابية لجميع الأحزاب التي ستشكل حكومة نتنياهو، لا يمكن لأحد أن ينكر أن برنامجها سيكون متطرفاً في كثير من القضايا السياسية والميدانية تجاه الفلسطينيين، إذ إن أغلبية الأحزاب لا تؤمن بأي سلام أو مفاوضات أو حلول مع الفلسطينيين، كما أن جزءاً منها يؤمن بضرورة ضم الضفة الغربية وتنفيذ «صفقة القرن»، وفق الرؤية الصهيونية، وتغيير الواقع في المسجد الأقصى، وتطبيق التقسيم فيه، زمانياً ومكانياً.
عودة نتنياهو إلى سدة الحكم من جديد تعني أن العلاقات «الإسرائيلية» الأميركية لن تكون في أفضل حالاتها، بل سيسودها التوتر الشديد، ما لم يسعَ نتنياهو لاسترضاء البيت الأبيض، وخصوصاً أن رؤية الرئيس الأميركي جو بايدن تتباين عن رؤية نتنياهو. وعليه، فإن خطوات فظة وفجة من جانب حكومة نتنياهو ستعارضها الإدارة الأميركية، التي تريد استمرار الهدوء في المنطقة، في ظل تركيزها على مجابهة القوتين الروسية والصينية.
على المستوى الفلسطيني، فإن عودة نتنياهو ستكون سوداوية بالنسبة إلى «السلطة الفلسطينية»، التي سيزداد الضغط عليها، وستزداد الجهود «الإسرائيلية» لتقويضها، تزامناً مع زيادة المطالب لها بتكثيف التنسيق الأمني ومحاربة المقاومة في الضفة، لكن من دون أن يكون هناك أفق أو أمل بشأن حلول سياسية أو تفاوضية.
في الجانب الآخر، وفي قطاع غزة، فإن حكومة نتنياهو لن تكون معنية بتفجّر الأوضاع من جديد، إذ يُتوقَّع أنها لن توقف التحسينات الاقتصادية، وستحاول مواصلة السياسة السابقة لضمان أطول فترة هدوء، لكنها ستركز جلّ اهتمامها على الوضع في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، حيث ستسعى لاجتثاث المقاومة المتنامية في الضفة، والاعتراف بمزيد من المستوطنات وتوسعتها وضم مزيد من أراضيها إلى الكيان، ونقل إدارة المستوطنات إلى الوزرات المعنية بعد أن كانت تابعة للإدارة المدنية في الجيش.