فوز لولا برئاسة البرازيل.. الكيان الصهيوني يخسر أكبر حليف في امريكا اللاتينة

(مجلة فتح العدد – 756)

في عهد الرئيس اليميني جايير بولسونارو، تحولت البرازيل إلى مؤيدٍ علني صريح للاحتلال «الإسرائيلي»، في انتهاك لافت للسياسة البرازيلية التقليدية الداعمة للقضية الفلسطينية.

في حادثة لافتة، توجّهت ميشيل بولسونارو، زوجة الرئيس البرازيلي المنتهية ولايته جايير بولسونارو، الأحد، نحو صناديق الاقتراع، لتدلي بصوتها في الانتخابات على المنصب الرئاسي، مرتديةً قميصاً أثار الجدل. ظهرت ميشيل باكراً في مركز للاقتراع قرب العاصمة برازيليا، وهي ترتدي قميصاً عليه علم الاحتلال الصهيوني، قبل أن تشارك في عملية التصويت التي انتهت بخسارة زوجها وفوز منافسه اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.

الأمر لم يقتصر عند هذا الحد، بل قامت ميشيل بنشر صورتها في مركز الاقتراع على مواقع التواصل الاجتماعي، مع عبارة «بارك الله البرازيل وإسرائيل». أثارت هذه اللقطة جدلاً كبيراً، على الرغم من أنها ليست صادمة، إذ لا يخفَ على أحد علاقة زوجها الوثيقة بالاحتلال الصهيوني، حيث يعتبر بولسونارو من أشد المؤيدين لـ«إسرائيل»، و«صديقها المقرّب» في القارة اللاتينية. في عهده، تحولت البرازيل إلى مؤيدٍ علني صريح للاحتلال، في انتهاك لافت للسياسة البرازيلية التقليدية الداعمة للقضية الفلسطينية.

خلال رئاسة بولسونارو، وجد السياسيون «الإسرائيليون» في الرئيس اليميني المتطرف حليفاً قوياً وصديقاً في أكبر دول أميركا اللاتينية، وثامن أقوى اقتصاد عالمي، بعد سنوات من النهج المتعاطف الذي اعتمده أسلاف بولسونارو مع الفلسطينيين، والمواقف المساندة لهم في المحافل الدولية، وعلى رأسهم الرئيس الفائز لولا دا سيلفا.

كيف تغيرت البرازيل خلال حكم بولسونارو؟

سنوياً، عند افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، يكون الرئيس البرازيلي أول من يتحدث. لطالما تحدث الممثلون البرازيليون عن فلسطين المحتلة، ورفعوا صوتهم للمطالبة لتعويض حقوق الشعب الفلسطيني. إلا أنّ بولسونارو كسر هذا التقليد، إذ تحدث في أربع مناسبات في الأمم المتحدة ولم يقل كلمة واحدة عن القضية الفلسطينية.

منذ بداية رئاسته، نظر الاحتلال إلى بولسونارو كحليفٍ جديد. ففي كانون الأول 2018، قال رئيس حكومة الاحتلال ، بنيامين نتنياهو، إنّ حكومة جايير بولسونارو ستأتي بـ«حقبة جديدة»في العلاقات بين «إسرائيل» و«القوة الكبرى» في البرازيل. وهو ما حدث تماماً.  أظهرت رئاسة بولسونارو نهجاً مختلفاً تجاه العلاقات مع الاحتلال، مبتعداً عن سياسات الحكومات اليسارية السابقة.

 

وتجدر الإشارة إلى أنّ علاقة بولسونارو بالاحتلال تنبع جزئياً من دعمه القوي للحركة الإنجيلية البرازيلية، لا سيما وأنه زار الأراضي الفلسطينية المحتلة في أيار عام 2016، و«تعمّد» في نهر الأردن في «رحلة حج» نسقتها الكنيسة الرسولية، وهو ما أضفى الصبغة الرسمية على علاقته مع الكنيسة الإنجيلية الداعمة لـ«إسرائيل»، والذي أصبح مناصروها يشكّلون جزءاً كبيراً من قاعدته الشعبية ومموليه.

أطلق انتخاب بولسونارو في تشرين الأول 2018 مرحلة جديدة من السياسة الخارجية للبرازيل، لم تكن مشابهة لسابقاتها. بعد عدة أسابيع من انتخابه، سافر رئيس حكومة الاحتلال حينها، بنيامين نتنياهو، إلى البرازيل لحضور حفل تنصيب بولسونارو. وكان نتنياهو بدأ زيارته قبل أربعة أيام من حفل التنصيب، والتقى الرئيس الجديد في منزله، وبعد اللقاء أعرب بولسونارو عن حاجته وبلاده إلى «أصدقاء أقوياء كإسرائيل ونتنياهو في المرحلة المقبلة»، مؤكداً ضرورة إنشاء «شراكة إستراتيجية» بين الطرفين.

لولا دا سيلفا.. عودة الأمل

على عكس بولسونارو، يُعتبر لولا، الذي أشار إليه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ومن باب الاعتراف بالحقيقة لا المديح، بأنه «السياسي الأكثر شعبية على وجه الأر»، من أشد المؤيدين للقضية الفلسطينية.

خلال فترتي ولايته السابقتَين (2003-2010)، حرص الرئيس اليساري لولا دا سيلفا على الدفاع عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. في المحافل الدولية، اتخذ لولا موقفاً يطالب بمشاركة أكبر من المجتمع الدولي، والأمم المتحدة على وجه الخصوص، في حل الاحتلال والانتهاكات المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني.

في عام 2010، اعترف لولا بفلسطين كدولة مستقلة وعاصمتها القدس. وشجّع اعترافُ البرازيل دول أميركا اللاتينية على اتخاذ موقف مماثل، إذ تبعها مباشرةً اعتراف كل من الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور في الشهر ذاته، ثم اعترفت معظم دول أميركا الجنوبية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2011 بدولة فلسطين. وبلغت موجة الاعتراف في أميركا اللاتينية أوجّها حتى العام 2013، إذ إنه باستثناء المكسيك وبنما، باتت دول أميركا اللاتينية قاطبة تعترف رسمياً بفلسطين كدولة.

مواقف لولا المساندة لفلسطين وشعبها لم تتوقف، إذ قرر رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، كما منح قطعة أرض بالقرب من القصر الرئاسي البرازيلي للسفارة الفلسطينية المستقبلية.

 

وفي وقتٍ سابق من هذا العام، التقى دا سيلفا بأفراد من الجالية الفلسطينية في البرازيل، مرتدياً كوفية، وشدد خلال الاجتماع على أنّ للشعب الفلسطيني الحق في العيش في «دولة حرة وذات سيادة»، مؤكداً أنه سيعمل على إعادة ترسيخ الدور الريادي للسياسة الخارجية البرازيلية في التوسط في النزاعات وحق الشعوب للدفاع عن أنفسها.

على خلاف علاقة بولسونارو الوطيدة مع الاحتلال الصهيوني، فقد وقع في عهد لولا صدامان دبلوماسيان على الأقل مع الاحتلال. الأول حينما سحب سفيره من «تل أبيب» أثناء العدوان الصهيوني على قطاع غزّة عام 2014، والثاني حينما رفض عام 2015 تعيين داني ديان سفيراً للاحتلال في برازيليا على خلفية منصبه السابق كرئيس لمجلس «ييشع»، الذي يرعى المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.

مع عودة لولا إلى سدّة الحكم  بعد غيابٍ قسري لسنوات، عاشت فيه البرازيل كلّ صنوف الترهّل، يرى مراقبون أنّ الاحتلال لا يمكنه إخفاء مخاوفه من تصاعد اليسار في أميركا اللاتينية، فكيف في أكبر دولها؟

خسارة بولسونارو تشكّل نكسة كبيرة لحكومة الاحتلال من حيث سياستها الخارجية في جميع أنحاء القارة، وخاصة البرازيل، لا سيما وأن الأخيرة تشكّل موطناً لما يقرب من نصف سكان أميركا اللاتينية، لذا فإنّ ميولها تجاه القضية الفلسطينية، يؤثر بشكلٍ كبير على بقية القارة.

انتصار لولا قد يعني العودة إلى موقف ما قبل بولسونارو بشأن الاحتلال والقضية الفلسطينية، وبالتالي، ماذا ستفعل «إسرائيل» بدون «أفضل صديق» لها؟

يذكرأن دا سيلفا، البالغ من العمر 77 عاماً، وهو عامل سابق وزعيم نقابي وحصل على تعليم للصف الخامس ابتدائي فقط، قاد البرازيل أثناء ازدهارها في العقد الأول من القرن، لكنه أدين لاحقاً بتهم فساد بعد أن ترك منصبه وقضى 580 يوماً في السجن. وفي العام الماضي، ألغت المحكمة العليا تلك الإدانات، وحكمت بأن القاضي كان متحيزاً، واحتشد الناخبون خلف الرجل المعروف ببساطة باسم «لولا».

عن علي محمد

مدير التحرير

شاهد أيضاً

من 11 سبتمبر إلى 7 أكتوبر: رد الفعل على الحرب الزائفة على الإرهاب

على مدى 22 عاما، نفّذت الولايات المتحدة برنامج إسرائيل لزعزعة الاستقرار الإقليمي باستخدام الإرهابيين الوهميين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار