من جديد أثبتت المقاومة الفلسطينية، علو كعبها وأنها الوحيدة التي تملك الكلمة الأخيرة في الضفة الغربية المحتلة، رغم كل ما يُقال ويُشاع ويُنشر عن خطط سياسية وتجهيزات عسكرية صارمة، للسيطرة على مناطق المقاومة والمشاكسات ومحاولة كبح جماحها.
الكيان الصهيوني الذي لا يزال تحت تأثيرات صدمة عملية “الأغوار” الأخيرة والتي أسفرت عن إصابة عدد من الجنود الإسرائيليين خلال مهاجمة مسلحين فلسطينيين حافلة عسكرية في المنطقة قبل أيام، حتى تفاجأن اليوم بعملية مقاومة نوعية وجديدة ليست كسابقاتها.
ما جرى الليلة وفجر اليوم الأربعاء بالقرب من حاجز “الجلمة”، شمال مدينة جنين شمالي الضفة، ليس كأي عملية للمقاومة من خلال الاشتباك المسلح أو إطلاق القنابل الحارقة أو حتى الحجارة، بل كانت عبارة عن نصيب كمين للجنود وضباط إسرائيليين، واستدراجهم لمنطقة العمليات الخاصة للاشتباك معهم من نقطقة الصفر.
وأعلن جيش العدو الصهيوني، صباح اليوم، مقتل ضابط في كمين لمقاومين قرب حاجز الجلمة.
وذكر المتحدث باسم جيش الاحتلال، أن قواته رصدت مقاومين اثنين خلال زحفهما على الأرض بعيدًا عن السياج الأمني بنحو 15 مترًا وعلى مقربة من موقع عسكري بعد منتصف الليلة.
وقال إنه تم استدعاء قوة عسكرية أخرى بقيادة قائد لواء شمال الضفة الغربية وهرعت للمكان، مضيفًا “اقتربت القوة من المسلحين خلال زحفهما على الأرض ولدى اقترابها منهما حصل اشتباك من مسافة قصيرة جدًا تقل عن 10 أمتار، قتل خلاله أحد ضباط الجيش، بينما قُتل المسلحان في المكان”.
ووصف ضابط كبير في جيش الاحتلال الهجوم بالخطير، وأنه كان سينتهي بشكل فادح لولا اكتشاف المقاومين.
وقال الضابط إن الكمين نُفذ رغم اكتشاف وجود المقاومين قبل ساعتين من الاشتباك، إذ اعتقد الجنود في البداية أنهما غير مسلحين.
وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال فتح “تحقيق معمق” في تفاصيل العملية.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن الشهيدين هما، أحمد أيمن عابد، وعبدالرحمن هاني عابد، فيما أشارت مصادر محلية إلى أن الشهيد أحمد يعمل عنصراً في جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطينية.
حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، أكدت أن عملية حاجز “الجلمة” التي قتل فيها ضابط “بداية الطريق لتصاعد الاشتباكات والمواجهة مع المحتل رداً على الاقتحامات المرتقبة للمسجد الأقصى”.
وقال الناطق باسم الحركة عبد اللطيف القانوع، إن العملية “أسقطت تهديدات الاحتلال للثائرين في الضفة الغربية، بالاعتقال والقتل واستخدام المسيّرات، وأثبتت قدرة شعبنا على رسم صورة البطولة والانتصار”.
وأضاف أن “الاحتلال لن ينعم بالأمن على الحواجز والمفترقات، وفي كل أماكن تواجده، وسيظل جنوده وقطعان مستوطنيه في مرمى نيران الشباب الثائر والمقاومين”.
من جانبها باركت حركة الجهاد الإسلامي العملية النوعية قرب حاجز “الجلمة”، وقالت في بيان، “لقد جاءت هذه العملية البطولية في ذكرى اتفاق أوسلو المشؤوم، لتعلن تشييعه إلى غير رجعة على أيدي أحد الأبطال العساكر، أحد مُنَفِذي العملية، وتؤكد للجميع أن كل الاتفاقات التي تستهدف حقنا على أرض فلسطين لن تمر، وأن شعبنا سيقدم كل غال ونفيس لإعادة حقه المسلوب”.
وتابعت “لقد أثبتت جنين مرة أخرى وعلى أيدي مجاهدي شعبنا، أنها رأس حربة المقاومة، وأن هيبة الاحتلال ستتحطم على أبوابها، وأن مقاومتنا لن تخيفها كل تهديدات الاحتلال وإرهابه المستمر”.
وقالت “إننا في حركة الجهاد الإسلامي، إذ ننعى الشهيدين البطلين من أبناء جنين البطولة والفداء، لنؤكد أن هذه العملية الجريئة هي رد طبيعي ومشروع على جرائم الاحتلال بحق أهلنا في أرضنا، ورد على استباحة مقدساتنا، وأن سلسلة العمليات البطولية سوف تستمر حتى دحر الاحتلال وزواله”.
ودعت الحركة إلى استمرار روح المقاومة وتوهجها حتى تحقيق تطلعات شعبنا واستعادة حقوقه، “ونشيد بمقاومينا الشجعان الذين يتصدون لاقتحامات الاحتلال ولعدوان المستوطنين في كل مكان من ضفتنا الحبيبة، حتى يعلم العدو أن شعبنا عصي على الانكسار مهما كلفت مسيرة التصدي من دماء وتضحيات”.
بدوره وصف المختص في الشأن الإسرائيلي عادل ياسين، عملية حاجز “الجلمة” البطولية، بأنها “ليست عملية عابرة”، مؤكدا أنها تحمل في ثناياها عدة مؤشرات مهمة.
وقال ياسين إن عملية حاجز “الجلمة” دليل على أن العنصر البشري هو أهم عامل من عوامل النصر، وأن امتلاك العدو ترسانة عسكرية لا ولن توفر له الأمن، مضيفًا أن هذه العملية تؤكد فشل الاستعدادات وأكذوبة الجاهزية للتعامل مع التهديدات من قبل جيش الاحتلال، إذ أن “مقاومين اثنين واجها وحدات نخبة إسرائيلية مزودة بأحدث المعدات والأسلحة”.
وتابع “العملية تبرهن جرأة وإقدام واستعداد للتضحية لجيل فلسطيني ثائر ملّ من وعود السلام وفقد ثقته بقيادة تمسكت به كخيار وحيد، موضحا أن هذا الجيل يمتلك زمام المبادرة واقتحام للحدود وعدم انتظار اقتحامات الجيش الإسرائيلي للمدن الفلسطينية المحتلة.
وأثبتت هذه العملية البطولية، بحسب المختص في الشأن العبري، تحطيم “كاسر الأمواج” وتمريغ أنوف من يؤمن أو يعتقد بأن الاعتقالات والاغتيالات ستوقف أمواج الغضب الفلسطيني.
وأردف ياسين قائلا إن هذه العملية أثبتت “استمرار تآكل قوة الردع وفشل محاولات ترميمها”، وأكدت أن “جذوة المقاومة باقية ما بقي الاحتلال وأن المنطقة لن تنعم بالاستقرار والأمن ما لم يستعيد الشعب الفلسطيني حقوقه”.
يشار إلى أنه في 31 آذار/ مارس الماضي، أطلق جيش الاحتلال حملة “كاسر الأمواج” في الضفة المحتلة، عقب 7 عمليات نفذها فلسطينيون من سكان الضفة، وآخرون يحملون الهوية الإسرائيلية، أسفرت مُجتمعةً عن مقتل 17 مستوطنا، بينهم جنود.
واعتقلت قوات الاحتلال، مئات الفلسطينيين، واغتالت آخرين، بعضهم هدمت منازلهم بالصواريخ المضادة للدروع، إلا أن كل هذا فشل في وقف أو تراجع عمليات المقاومة في الضفة المحتلة بل زادت وتيرتها بشكل أكبر، والتي كان آخرها عملية حاجز “الجلمة” اليوم.
وجاءت عملية “الجلمة” بعد ساعات من الكشف عن عقد اجتماع بين مسؤولين في السلطة الفلسطينية، وآخرين إسرائيليين، بهدف منع تصعيد الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية المحتلة.
وقالت القناة “11” العبرية، إن اجتماعاً سرياً عقد الخميس الماضي، بين مسؤولين أمنيين إسرائيليين، ورئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية حسين الشيخ، ورئيس المخابرات العامة ماجد فرج، لمنع تصعيد الأوضاع في الضفة والقدس، خاصة خلال فترة الأعياد اليهودية الوشيكة.
وأضافت أن الاجتماع انصب على التوصل إلى تفاهمات، لاستعادة قوى الأمن الفلسطينية نشاطاتها في شمال الضفة الغربية، خاصة في مدينة نابلس، وادعت أن الجلسة انتهت دون تحقيق اختراق، غير أن الطرفين اتفقا على مواصلة الحوار والتنسيق بينهما.
وكان الشيخ قد نفى، الأحد، وصول أي مسؤول إسرائيلي إلى مقر المقاطعة ولقاء الرئيس محمود عباس.
وقال الشيخ في تغريدة عبر حسابه في “توتير”، إن “ما يشاع عن وصول مسؤول إسرائيلي إلى المقاطعة والاجتماع مع السيد الرئيس عارٍ عن الصحة”، في إشارة إلى ما أوردته قناة الشرق السعودية نقلاً عن مسؤول فلسطيني قبل أيام.
من جهة أخرى؛ أشارت القناة إلى أنه خلال جلسة المشاورات الأمنية، التي عقدها رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد أمس، أعربت جهات أمنية إسرائيلية عن خشيتها من احتمال دخول مستوطنين يهود إلى الحرم القدسي الشريف، متنكرين بزي إسلامي تقليدي، وإدخال بوق قرن الكبش (الشوفار) إلى الحرم، بهدف النفخ فيه.
وقالت صحيفة “هآرتس” أمس الثلاثاء، إن الجيش الإسرائيلي يدرس الحد من أنشطته العسكرية في الضفة الغربية خشية انهيار السلطة الفلسطينية، وتقييد دخول قواته إلى المناطق المكتظة بالسكان في المستقبل القريب، وتجنب الاحتكاكات العنيفة غير الضرورية.
وحسب الصحيفة؛ فإن الجيش الإسرائيلي يرى أن أمامه خيارين رئيسيين، إما مساعدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على استعادة المسؤولية الأمنية في مدن شمال الضفة الغربية، أو الوقوف على الحياد ومشاهدة انهيار السلطة.
يشار إلى أنه منذ بداية العام الجاري؛ تصاعدت أعمال المقاومة بشكل ملحوظ، ضد قوات الاحتلال بمدن الضفة الغربية والقدس المحتلة، وفق معطيات فلسطينية وإسرائيلية.