عمرو عبدالعاطي
حقق المرشح الجمهوري الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، نصرَين حاسمَين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لهذا العام: تمثل الأول في دفع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الانسحاب من السباق الانتخابي بعد أدائه الكارثي في المناظرة الرئاسية الأولى في يونيو الماضي. ويتمثل النصر الثاني في الفوز الساحق على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس في الخامس من نوفمبر 2024؛ حيث فاز بـ292 من أصوات المندوبين في المجمع الانتخابي، بينما كان يحتاج إلى 270 صوتاً فقط، في تحدٍّ لتوقعات المحللين واستطلاعات الرأي الأمريكية التي تحدثت عن منافسة انتخابية بين مرشحَين متقاربَين في العديد من الولايات المتأرجحة التي تلعب دوراً رئيسياً في تحديد الفائز في الانتخابات الرئاسية، والترويج بأن انتخاب ترامب سيكون تهديداً للديمقراطية الأمريكية.
دلالات متعددة
يكشف فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في الخامس من نوفمبر 2024 عن العديد من المؤشرات السياسية والاجتماعية الأمريكية الهامة التي تعكس الوضع الحالي للولايات المتحدة، والتي تتمثل فيما يلي:
1– المخاوف الاقتصادية ذات أهمية قصوى للناخب الأمريكي: على الرغم من العديد من النجاحات التي حققتها إدارة الرئيس جو بايدن من تحسين الأوضاع الاقتصادية وانخفاض مستويات التضخم ونمو الوظائف، فإن الناخبين الأمريكيين لم يكونوا راضين بصورة كافية عن الأداء الاقتصادي للإدارة الأمريكية؛ ولذلك كانت القضية الاقتصادية أولوية للناخب الأمريكي، الذي كان يفضل نهج المرشح الجمهوري للتعامل معها. وقد لعب السخط الاقتصادي دوراً مركزياً في تحفيز الناخبين على دعم ترامب؛ لأنهم يعتقدون أنه يستطيع استعادة الاستقرار الاقتصادي والنمو. وقد كان لتركيز حملته على القضايا الاقتصادية، مثل خلق فرص العمل والسيطرة على التضخم، صدى قوي لدى ناخبي الطبقة العاملة.
2– قبول الأمريكيين نهج تعامل ترامب مع قضية الهجرة والأمن الوطني: أثبتت مواقف المرشح الجمهوري المتشددة بشأن قضية الهجرة والأمن الداخلي الأمريكي أنهما عاملان مهمان في انتصاره في الخامس من نوفمبر؛ فقد عززت رسائله بشأن تأمين الحدود والحد من الهجرة غير الشرعية شعبيته بين الناخبين القلقين بشأن أمن الحدود، وخاصةً بعد زيادة موجات الهجرة خلال رئاسة جو بايدن، التي يرى الناخب الأمريكي أن لها تأثيرات اقتصادية واجتماعية وأمنية متعددة. وقد ساعد تركيز ترامب على قضيتي الهجرة والأمن الوطني في تعزيز الدعم بين الناخبين المحافظين وبعض المستقلين الذين أعطوا الأولوية لسياسات الهجرة الأكثر صرامةً.
3– تحولات في دعم الأقليات من الحزب الديمقراطي إلى الجمهوري: كشفت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لهذا العام عن تحولات في دعم قطاعات من القاعدة الانتخابية للحزب الديمقراطي، التي لعبت الدور الرئيسي في فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية السابقة، إلى دعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي حقق مكاسب ملحوظة بين الأقليات، وخاصةً الرجال اللاتينيين والسود، لا سيما في الولايات المتأرجحة الرئيسية – مثل ولايتي كارولينا الشمالية وجورجيا – التي ساهمت في نجاحه الانتخابي. ويعكس هذا التحول اتجاهاً أوسع للجمهوريين الذين يحققون اختراقات مع ناخبي الأقليات من خلال الرسائل المستهدفة حول الفرص الاقتصادية والقضايا الاجتماعية.
4– انهيار “الجدار الأزرق” الديمقراطي: تم تأمين انتصار المرشح الجمهوري في الخامس من نوفمبر إلى حد كبير من خلال قدرته على تفكيك ما يسمى “الجدار الأزرق”، وهي الولايات الرئيسية التي كانت حاسمة لانتصارات الديمقراطيين في الانتخابات السابقة؛ فقد فاز ترامب في بنسلفانيا وميشيجان وويسكونسن، وهي الولايات التي كانت تأمل المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس الفوز بها لتعزيز فرصها للفوز. وتشير خسارة الديمقراطيين في ولايات الجدار الأزرق إلى أن رسالة ترامب كان لها صدى لدى ناخبي الطبقة العاملة في هذه الولايات أكثر من دعوات هاريس إلى الوحدة والعدالة الاجتماعية وقضية الإجهاض.
5– تزايد السخط من المؤسسات السياسية الأمريكية: استغل المرشح الجمهوري دونالد ترامب في العديد من الولايات المتأرجحة تزايد حالة سخط الناخبين من مؤسسات الحكم الأمريكية للترويج لنفسه بديلاً للسياسيين التقليديين الذين لم ينجحوا في معالجة مشاكل تلك الولايات. ومن خلال خطاباته، عزز ترامب فكرة أن “الطبقة الحاكمة”، ولا سيما الديمقراطية، لم تفعل شيئاً لتحسين الوضع الاقتصادي في الولايات الأمريكية؛ ما ساعد على تحفيز جزء كبير من الناخبين غير الراضين عن اتجاه البلاد تحت القيادة الديمقراطية على التصويت له في الخامس من نوفمبر.
6– قبول قطاعات شعبية لأجندة ترامب الاجتماعية: يعكس الدعم الشعبي الواسع لترامب اقتناع قطاعات شعبية ملحوظة بخطاب ترامب تجاه القضايا المجتمعية المؤثرة، على غرار قضية الإجهاض، علاوةً على رفضه أفكار المثلية والشذوذ الجنسي، كما أنه عبر في أكثر من مناسبة معارضة لعمليات تغيير النوع الاجتماعي التي يُسمَح بإجرائها للمراهقين في الولايات المتحدة.
7– عدم تأثير التحديات القانونية لترامب على فرصه الانتخابية: جاءت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لهذا العام وسط مواجهة الرئيس الأمريكي السابق العديد من التحديات القانونية بعد إدانة جنائية ولوائح اتهام بحقه؛ الأمر الذي دفع العديد من المحللين إلى الحديث عن احتمالات تأثيرها على فرص ترامب الانتخابية، ولكن نتائج انتخابات الخامس من نوفمبر، أظهرت أن ترامب لم يعانِ من تداعيات سياسية كبيرة من هذه القضايا؛ حيث نظر مؤيدوه، إلى حد كبير، إلى هذه المعارك القانونية كجزء من خطط ديمقراطية لتسييس القضاء الأمريكي لمنع ترامب من الترشح باعتباره المرشح الجمهوري القادر على هزيمة المرشح الديمقراطي. وقد تكون هذه السردية هي التي حفزت قاعدته الانتخابية وعززت ولاءهم له، والنزول للتصويت له بقوة في الولايات المتأرجحة الرئيسية.
8– أهمية قضايا السياسة الخارجية في السباق الانتخابي: على الرغم من أن قضايا السياسة الخارجية عادةً لا تكون ذا دور رئيسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في وقت لا تواجه فيه الولايات المتحدة تهديداً خارجياً، أو تنخرط في حروب خارج أراضيها، فإن السياق الدولي الذي أُجريت فيه انتخابات هذا العام، ولا سيما استمرار الحرب الروسية–الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان، وموقف إدارة بايدن منهما على وجه الخصوص؛ قد أثرت على مواقف الناخبين ودعمهم لهاريس، ولا سيما مع ارتفاع المعارضة بين الناخبين الديمقراطيين عامةً، والمسلمين والعرب الأمريكيين خاصةً، للدعم الأمريكي اللا محدود لإسرائيل، وصعوبة فك هاريس ارتباطها بسياسات إدارة بايدن الخارجية، وهو ما دفعهم إلى تأييد ترامب رغم مواقفه السابقة من المسلمين، أو مرشحة حزب الخضر جيل ستاين في تصويت عقابي لإدارة بايدن؛ بسبب سياساتها الخارجية.
9– ضعف الرسالة الانتخابية للحزب الديمقراطي: تُظهر نتائج الانتخابات وفوز دونالد ترامب إخفاق استراتيجية الحزب الديمقراطي الانتخابية التي كانت أكثر تركيزاً على انتقاد المرشح الجمهوري، والترويج لكونه تهديداً للديمقراطية الأمريكية في حال فوزه بفترة رئاسية ثانية، بدلاً من التركيز على صياغة رسالة انتخابية موحدة تركز على إنجازات هاريس وأولوياتها الانتخابية، ومعالجة القضايا الرئيسية التي تُقلِق الناخبين، ناهيك عن تواصلها المحدود مع وسائل الإعلام الأمريكية؛ ما أثر على قدرتها على إيضاح رؤيتها والسياسات التي تدعمها بشكل مباشر وفعال.
تحدٍّ ديمقراطي
كشفت نتائج الانتخابات الرئاسية لهذا العام، التي فاز بها المرشح الجمهوري دونالد ترامب، متحدياً التوقعات بسباق انتخابي متعادل بين المرشحين، عن أن الحزب الديمقراطي يواجه صعوبات في التعامل بفاعلية مع قاعدته الانتخابية الرئيسية، ومنهم التقدميون والأمريكيون العرب والناخبون المسلمون الذين انتقدوا موقف هاريس من الحرب في غزة. وقد يكون هذا الفشل في التواصل مع قاعدة الحزب قد ساهم في انخفاض تصويت تلك القاعدة لهاريس في الانتخابات الرئاسية. وعليه فقد أظهرت الانتخابات الكثير من التحديات التي تنتظر الديمقراطيين والتي قد تدفعهم إلى تقييم استراتيجياتهم لإعادة التواصل مع القاعدة الانتخابية الرئيسية التي فقدوا دعمها خلال الانتخابات الأخيرة.