(مجلة فتح – العدد 769)
لم تقف آثار عملية «طوفان الأقصى» التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية قبل عام، على خسائر الاحتلال في المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، بل تعدتها إلى تفعيل المقاومة في الضفة الغربية، وأعطتها دفعة جديدة، ورغم الحرب التي شنتها وتشنها حكومة الاحتلال وأذرعها الأمنية ضد كتائب المقاومة في الضفة الغربية، إلا أن طوفان الأقصى قلبت التوقعات، وأحبطت مشاريع تصفية المقاومة بالضفة الغربية
سيسجل لطوفان الأقصى بأنها بثت الروح لدى مجموعات المقاومة القائمة في الضفة الغربية من جهة، وأسهمت بتمدد تلك الكتائب إلى مناطق أخرى لم يسجل فيها أي عملية ضد الاحتلال قبل السابع من أكتوبر، لتصبح اليوم في صدارة المناطق التي شهدت وجود مجموعات مسلحة تعمل ضد الاحتلال وتؤرقه”.
يعتبر الكيان نفسه يخوض حربًا على جبهات متعددة، أبرزها الضفة الغربية، حيث يرى أن حربه غير قابلة للتجزئة، وهو ما يظهر من خلال الربط الذي قامت به الولايات المتحدة بين ما يحدث في لبنان والضفة.
مثل استخدام جيش الاحتلال المقاتلات الحربية-لأول مرة منذ عام 2000-في قصف مقهى شعبي بمدينة طولكرم، ذروة التصعيد «الإسرائيلي» بالضفة الغربية المحتلة، في صورة مستنسخة لحرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وخلّف القصف الذي استهدفت مناطق سكنية تضم مقهى شعبيا في حارة الحمام في مخيم عين شمس، 18 شهيدا بينهم غيث رضوان أحد قادة كتيبة طولكم، بينما ادعى جيش الاحتلال استهدف مسؤول العمليات في حركة حماس. في وقت تشهد الضفة الغربية تصاعدًا في عمليات الاقتحام والقتل والاعتقال «الإسرائيلي» فيما يشبه حربا غير معلنة تعتمد فيها على الضربات الانتقائية والعمليات العسكرية مطوقة المكان والزمان، إلى جانب إطلاق يد المستوطنين في الضفة عبر تنفيذ سلسلة من الاعتداءات التي تخدم الأجندة «الإسرائيلية».
ولا يرتبط التصعيد العسكري «الإسرائيلي» حصراً بحرب الإبادة على غزة وإن ارتفعت وتيرته منذ اندلاعها بعيد عملية طوفان الأقصى، حيث شكل نمو المقاومة في مدن الشمالية للضفة الغربية المحتلة وظهور كتيبة جنين وعرين الأسود منذ عام 2021، في مقابل تصاعد الهجمات الاستيطانية على المسجد الأقصى ومحاولات فرض تقسيمه زمانياً ومكانياً، سبباً مباشراً لإطلاق استراتيجية «جز العشب الإسرائيلية»، والتي سبق أن استخدمت مع المقاومة في غزة. وتقوم على استنزاف المقاومة ومنعها من التقاط الأنفاس من خلال عمليات عسكرية متكررة تردع المقاومة عن التفكير بالعودة إلى هذا العمل، وتحُول دون تعاظم قوتها وتحولها إلى انتفاضة عامة، ودون أن تؤدي تلك العمليات إلى انفجار الضفة.
ويعكس لجوء الاحتلال إلى القوة الجوية القصوى في ضرب حارة الحمام، رغبة باقتلاع المقاومة من الضفة، وهو ما أكد عليه وزير حرب العدو يوآف غالانت، خلال تقييمه للوضع في شمال الضفة في 4 سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث قال: «عندما نقوم بقص العشب، ستأتي اللحظة التي نقتلع فيها الجذور، وهذا يجب أن يتم (…) نستخدم الضربات الجوية بكل مكان عند الضرورة لتجنب المخاطرة بحياة جنودنا، لا يوجد حل آخر ويتعين استخدام كل ما يلزم وبكل قوة».
المخيمات الصيفية
وفي 28 أغسطس/ آب 2024، أطلق جيش الاحتلال هجمة عسكرية، هي الأوسع منذ عدوان السور الواقي عام 2002، شملت حصارا وهجوما على مدن جنين وطولكرم وطوباس وبلدات شمالي الضفة الغربية المحتلة، بهدف استهداف المقاومين فيها.
ودفع جيش الاحتلال لتنفيذ العدوان بلواء كفير (لواء للمشاة)، و4 كتائب تابعة لحرس الحدود ووحدات من المستعربين وقوات النخبة، ووحدات من الهندسة العسكرية، بتنسيق مع جهاز الأمن العام (الشاباك)، ودعم من سلاح الجو «الإسرائيلي» الذي دفع بمروحيات عسكرية ومقاتلات ومسيرات لتوفير غطاء للقوات البرية.
وفي صورة مستنسخة لما يحدث في غزة، باشر جيش الاحتلال عدوانه باستخدام وسائل قتالية لم يستخدمها في السابق، مثل غارات الطائرات المقاتلة من طراز (F-16) التي قصفت بلدات ومخيمات لاجئين عدة، من أريحا جنوباً وحتى جنين شمالاً، وخلالها دخلت الدبابات والجرافات الضخمة (D9)، إلى مخيمات اللاجئين، بشكل خاص جنين، وبلاطة، ونور شمس والعوجا، ولم يعد الاعتقال هو الهدف، بل الاغتيال. وهدمت مئات البيوت ومعظم البنى التحتية.
وردا على هذه العملية أعلنت كتائب القسام، وسرايا القدس، وكتائب شهداء الأقصى، عملية مشتركة سمتها «رعب المخيمات»، تضمنت عمليات إطلاق نار واشتباكات واستهداف آليات عسكرية.
وقد أسفرت اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه منذ بداية الحرب على غزة عن استشهاد 741 فلسطينيا، بينهم 160 طفلا، وإصابة أكثر من 6200 آخرين، واعتقال ما يزيد على 11 ألف فلسطيني، وفي المقابل، شهدت الضفة 4973 عملية ضد جنود الاحتلال والمستوطنين قُتل خلالها 38 إسرائيليا -بينهم 15 جنديا وعنصر أمن، فيما أصيب 285 آخرون، وفق معطيات نشرها موقع «والا الإسرائيلي».
موجة اغتيالات
وبين كاسر الأمواج والمخيمات الصيفية، نفذ جيش الاحتلال موجات متعددة من الاغتيالات لأعضاء خلايا كتائب المقاومة، بدأت بالشهيد عبدالله الحصري، وتلاه كوكبة كبيرة ضمت، إبراهيم النابلسي، وفاروق سلامة، ونايف أبو صويص، وسيف أبو لبدة، وداوود الزبيدي، ووديع الحوح، وتامر الكيلاني، وأدهم مبروكة، ومحمد الدخيل، وأشرف مبسلط، ومحمد العزيزي، وعبدالرحمن صبح، وسائد الكوني، وعز الدين عواد، وجهاد شحادة، ومؤمن بلعاوي، ومحمد جلامنة، ومحمد وباسل الغزاوي، ومحمود حشاش، ومحمد أبو مصطفى، ومحمود زهد، ومحمد مسيمي، ووسام الحنون، وعلاء نزال، وأنس داوود.
وتفيد المعيطات الميدانية بأن جيش الاحتلال نفذ منذ بدء حرب الإبادة على غزة، 49 غارة في الضفة الغربية المحتلة، أسرفت عن 175 شهيد.
هجمات المستوطنين
أما على صعيد عنف المستوطنين والاستيطان، فقد قفزت اعتداءات لأرقام غير مسبوقة وسط إفلات شبه كامل من العقاب، حيث يواصلون هجماتهم على مدن وقرى الضفة الغربية، ويعيثون فسادا في الأرواح والممتلكات الفلسطينية، مسنودين من «الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة».
وتظهر بيانات التي قدمتها منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية «أوتشا» لمجموعة الأزمات الدولية، ارتكاب المستوطنين 1264 اعتداء خلال الفترة الممتدة بين 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى 12 أغسطس/آب.
ويعتقد المستوطنون، وتحديدا الذين ينتمون إلى التيارات القومية الدينية ومن يسمون العلمانيين، أن الفترة الحالية فرصة تاريخية بالنسبة لهم، والتي كانوا ينتظرونها منذ بدأت عملية الاستيطان فترة السبعينيات من أجل تحقيق فكرة «أرض إسرائيل الكبرى».
ويقدر سياسيون ومحللون أن حكومة نتنياهو المتطرفة تحاول فرض إستراتيجيتها القائمة على تهويد الضفة الغربية كلها وطرد الفلسطينيين منها بالتزامن مع حرب الإبادة في غزة بدعم أميركي.
وأشار إلى أن ما يقوم به الاحتلال ضد الفلسطينيين في مخيمات الضفة يتزامن مع عمليات قتل يقوم بها المستوطنون لتوسيع الاستيطان بشكل خطير ومتنوع بما فيه الاستيطان الرعوي من خلال نشر مستوطنين مع الأغنام للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض.