لا شك بأن معركة الخمسون ساعة أو الثلاثة أيام الأخيرة، وعلى محدودية أيامها إلا أنها كانت لها عدة رسائل، مع أن المبتدأ بها كان العدو الصهيوني، لكنه هو من طلب إيقاف إطلاق النار فيما بعد خوفاً من اتساع رقعة المعركة التي أطلق عليها (بزوغ الفجر)، بينما أطلق عليها الجانب الفلسطيني (وحدة الساحات)، والتي خاضت بها المقاومة الفلسطينية معركة أثبتت من خلالها قدرة واضحة على إرباك الكيان الصهيوني وإزعاجه على نحو أدرك فيما بعد بأنه غير قادر على الاستمرار بالمعركة.
لقد اعتبرت المقاومة الفلسطينية بأن هذه ا لمعركة هي امتداد لمعركة سيف القدس التي جرت في العام الفائت، حيث أنها استنزفت العدو الصهيوني وأجبرته على الموافقة على الشروط الفلسطينية بعد معركة استمرت أحد عشر يوماً، لكنها مازالت مدا بحث في مراكز الدراسات الصهيونية، كيف توحدت الساحات في قطاع غزة والضفة الغربية وشعبنا الفلسطيني داخل الـ 48، وخاصة أن الفئة الثالثة أخذت حيزاً من البحث والتفكير أي أنه بعد 74 عاماً من محاولات التدجين الصهيونية، بقي الشعب الفلسطيني محافظاً على هويته وعلى انتماؤه الوطني الذي لم يستطع العدو انتزاعه.
في هذه المعركة (وحدة الساحات) حاول الكيان الصهيوني الاستفراد بساحة قطاع غزة وتجنيب الضفة الغربية وأراضي الـ 48، إلا أن الشعب الفلسطيني كان واعياً لتلك اللعبة، مع أن بداية المعركة هي في جنين حين اعتقل القائد بسام السعدي، وحين أُعلن عن تشكيل كتيبة جنين وكتيبة نابلس إضافة للعمليات الفدائية العديدة التي قام بها أبناؤنا في الضفة الغربية، كل تلك الأسباب جعلت الكيان الصهيوني يرغب في الانتقام من المقاومة الفلسطينية، لكنه في هذه المرة أيضاً فشل كما فشل في المعارك السابقة.
وحين أغار العدو الصهيوني على قطاع غزة مبتدأً باغتيال الشهيدين تيسير الجعبري وخالد منصور، كان يعتقد بأن المقاومة لن ترد عليه، ومحاولاً الاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي، إلا أن المقاومة وقفت وقفة رجل واحد وأطلقت صواريخها على المستوطنات الصهيونية التي وصلت إلى تل أبيب وبئر السبع وأسدود، حيث تم إطلاق أكثر من 1000 صاروخ سقطت على ثمان وخمسون مستوطنة كانت تحت مرمى صواريخ المقاومة واضطر ما يقارب من مليونين من المستوطنين مغادرة منازلهم باتجاه شمال فلسطين بحثاً عن مكان آمن هرباً من صواريخ المقاومة.
وبالنسبة للداخل الصهيوني أراد رئيس الوزراء الصهيوني مائير لابيد أن يثبت بأنه قادر على خوض معركة عسكرية، علماً بأنه ليس له اي علاقة بالمعارك العسكرية بل هو رجل إعلامي وسياسي فقط، ولكن بدخوله الانتخابات الخامسة خلال خمس سنوات اراد أن يوحي لقطعان المستوطنين بأنه رجل عسكري وقادر على خوض معارك عسكرية، وبرغم الأصوات التي كانت تحاول ثنيه عن دخول تلك الحرب إلا أنه أصر على ذلك، وهذا ما أكده رئيس الشاباك روتان بار في اجتماع الكابينيت الأخير حين قال (بضرورة إنهاء العملية العسكرية في غزة خشية وقوع أخطاء من شأنها أن تورط «إسرائيل» في عملية عسكرية أوسع لا نريدها).
أما المقاومة الفلسطينية فلقد أثبتت أنها قادرة على خوض جولات من المعارك، وأنها تمتلك من العزيمة ما يؤهلها للرد على أي مغامرة صهيونية، وأن لديها آلاف الصواريخ تصل إلى عمق الكيان الصهيوني، و تطال كافة المدن الصهيونية، وأن الشعب الفلسطيني ملتف حول مقاومته التي أثبتت الوقائع بأنها الرد الحقيقي على جرائم الكيان الصهيوني، وأن هذا العدو لا يفهم سوى لغة القوة، وأن الكفاح المسلح هو الطريق الحتمي والوحيد لتحرير فلسطين.
أما حول الهدف الصهيوني بتصفية الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي (سرايا القدس) فلقد فشل الكيان الصهيوني في تحقيق ذلك حيث أن الصواريخ بقيت تدك المستوطنات إلى آخر لحظة في تلك المعركة، وهذا ما أكدت عليه صحيفة هارتس حين قالت: (إن الحركة مثلما نرى لا تزال قادرة على خوض جولات قتال لأيام عدة والوصول إلى المستوطنات الصهيونية).
لجهة النتائج التي يمكن تقييمها لتلك المعركة فإن النصر أو الهزيمة يقاس حسب تحقيق الهدف المنوي تنفيذه بالنسبة للمهاجم أو المدافع، وفي معركة (وحدة الساحات) يمكن القول بأن الأهداف التي وضعها الكيان الصهيوني قد فشلت جميعها، من الاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي فحيث توحدت كل الساحات الفلسطينية بكافة مكوناتها خلف حركة الجهاد، وبالنسبة لتصفية الجناح العسكري لحركة الجهاد فقد فشل أيضاً، واستطاعت أن تفرض شروطها حول وقف إطلاق النار الذي رغبه الكيان الصهيوني، وحول فصل الساحات الفلسطينية فلقد فشل هذا الهدف أيضاً، لأن شعبنا الفلسطيني بكافة أمكان تواجده توحد حول المقاومة الفلسطينية وفي ذلك رد واضح على ادعاءات الكيان الصهيوني الذي حاول تمزيق وتقسيم غزة ودليلنا على ذلك استشهاد إبراهيم النابلسي ورفاقه.
وبكل الأحوال فإن المقاومة الفلسطينية باتت في الآونة الأخيرة أقوى مما كانت عليه بالماضي حيث تغيرت العديد من معادلات الصراع مع العدو الصهيوني، وأصبح العدو يخشى من دخول قطاع غزة براً خوفاً من الخسائر التي يمكن أن يتكبدها، كذلك الأمر في الضفة الغربية حيث يعتمد على الهجمات الخاطفة والسريعة كي لا يقع جنوده في دائرة نيران المقاومة وهذا تحول كبير في إطار مقاومة الضفة الغربية التي تعاني أمنياً من الكيان الصهيوني ومن ما يسمى أمن (السلطة الفلسطينية) والذي تصاعدت بشكل كبير بعد معركة سيف القدس وأصبحت المقاومة موجودة في كل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية.