المشهد الفلسطيني : وحدة الساحات .. تمنع « بزوغ الفجر» للمقاومة اليد العليا

إعداد علي محمد

في «سيف القدس» ومن بعدها عملية الهروب الأسطوري من سجن «جلبوع» انكشف ذلك «الجيش الذي لا يقهر» وقدحاول الكيان الصهيوني بعد تلك الصفعة المؤلمة استعادة عافيته، وتجميل صورته، وأخذ زمام المبادرة من جديد، لكنه فوجئ بظهور عامل جديد على الأرض يُسمّى «كتيبة جنين » والتي تشكلت في أيلول من العام الماضي في مخيم جنين، وأصبحت تنتشر كأنها قطعة من اللهب حتى وصلت إلى نابلس وطوباس وطولكرم، وشكلت مفاجأة غير سارة لأجهزة أمن العدو، التي بدت عاجزة عن إيقافها أو التقليل من مخاطرها، رغم حملة الاغتيالات والاعتقالات التي نفذتها خلال الأشهر الأخيرة.

بعد 4 أيام من إعلان حالة الطوارئ والاستنفار في مستوطنات «غلاف غزة»، جاء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، الاحتلال الذي بادر بالعدوان بعد عملية تضليل وخداع، زعم التركيز على استهداف حركة الجهاد الإسلامي في حين طالت شظايا قصفه وعدوانه أنحاء قطاع غزة كافة، ولم يرحم طفلاً ولا مسنة.

في المقابل ردت المقاومة بإطلاق رشقات صاروخية (أكثر من 1000 صاروخ) في عملية عسكرية أطلقت عليها «سرايا القدس» «وحدة الساحات».

وشهد قطاع غزة عدوان صهيوني استمر لثلاثة أيام، ارتقى خلاله عشرات الشهداء الفلسطينيين، وأصيب المئات، ودُمرت عشرات المنازل، فيما ردت فصائل المقاومة بإطلاق مئات الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة، وبلدات ومدن الداخل الفلسطيني المحتل.

هذا العدوان كانت جولة أُخرى من الصراع المُسلّح بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية في غزة. وقد وضعها العدو في إطار العودة إلى مبدأ الضربة الاستباقية، وهي إحدى ركائز نظرية الأمن «الإسرائيلية» الهادفة إلى حفظ وجود الكيان الصهيوني وأمنه.

وهدف الضربة الاستباقية هو إحباط الخطر الوشيك واستعادة الردع، وهذا ما حدث – كما زعم قادة العدو – عندما بدأت المعركة بتوجيه ضربة استباقية ضد سرايا القدس، باغتيال القائد الشهيد تيسير الجعبري، وقصف خلية الدروع المُكلّفة بالهجوم، وجميع مراكز الرصد لسرايا القدس في الدقائق الأولى للمعركة.

ورغم نجاح جيش العدو في استخدام عنصر المباغتة، وأخذ زمام المبادرة في عملية الاغتيال لقائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس تيسير الجعبري، وقصف مراصد الجهاد الإسلامي ومواقعها، فيما سُمّي «إسرائيلياً» ضربة 170 ثانية، لم تحقق هذه الضربة المراد منها، حيث مع أول رشقة صاروخية لسرايا القدس على منطقة «غوش دان» أثبتت سرايا القدس قدرتها على احتواء الضربة الأولى «الإسرائيلية»، التي كانت تهدف إلى تدمير منظومة القيادة والسيطرة لسرايا القدس، وإنهاء قدرتها على إدارة المعركة، بل سجّلت سرايا القدس إطلاق 1170 صاروخاً على الكيان خلال 56 ساعة فقط من القتال.

في مواجهة نظرية الأمن تلك، يحتضن الشعب الفلسطيني المقاومة، والمقاومة تحمي الشعب… هي نظرية تزاوج بين مراكمة القوة ومشاغلة العدو، وتجمع بين إدامة الاشتباك مع الاحتلال وعدم استنزاف الشعب.

ولا بد من التأكيد توقيت العدوان الصهيوني ليس انتخابياً فقط؛ فهناك حلف جديد ولد في الإقليم مع أنظمة عربية في زمن التطبيع؛ ما يستدعي ضرورة قراءة العقل الصهيوني على مكث، وتحديد أهداف إستراتيجية لإيلامه إذا بدأ عدوانًا، حيث أن قادة العدو  يبعثون برسالة لحلفائهم أنهم المظلة الأمنية الأكثر قوة، وبإمكانها تغيير المعادلة مع غزة ولبنان.

وحدة الساحات

أن تتناغم ساحات الداخل والضفة وغزة في عملها، ربما يكون هو الطريق الأسرع نحو الوصول إلى التحرير، فالمقاومة في الضفة تضرب العدو وتشاغله وتجعل ثمن الاحتلال عليه كبيراً جداً، فيما توفّر ساحة غزة لها حماية دائمة وورقة ضغط على العدو.

مثلت معركة وحدة الساحات التي فرضت على المقاومة في قطاع غزة مرحلة جديدة في التفكير الفلسطيني الداخلي وإجراء المراجعات الفلسطينية لتصحيح المسارات تمهيداً لمرحلة تحرير تستطيع من خلالها المقاومة الفلسطينية تحقيق أهدافها بالتحرير والتخلص من الاحتلال.

من المعلوم أن كل معركة في وجه الاحتلال تصب في مصلحة تعزيز فكر وثقافة المقاومة وتقرب الفلسطينيين خطوة نحو تحرير أرضهم، إلا أن التطورات التي يفرضها الواقع السياسي، وواقع الجبهة الداخلية، والرغبة في تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض تفرض على فصائل المقاومة الفلسطينية التحرك وإعادة تقييم الحالة الفلسطينية على نحو كلي، إضافة إلى حالة المقاومة والاستراتيجيات التي تعمل على أساسها في مواجهة الاحتلال على مختلف الساحات، وخصوصاً في الساحة الأبرز قطاع غزة.

بعد معركة وحدة الساحات باتت القناعة بأن لكل ساحة طريقة عمل مختلفة، وأن بعض الساحات يجب أن تعمل بإستراتيجية مختلفة عن الأخرى، فمثلاً الضفة المحتلة يجب أن تواصل المقاومة فيها إستراتيجية المشاغلة والضغط المتواصل على المنظومة الأمنية والعسكرية والمستوطنين ومواجهة المخططات الهادفة إلى ضم الضفة وأراضيها وحصر الفلسطينيين فيها بكانتونات صغيرة وربط السكان بالوضع الاقتصادي فقط.

أما ساحة غزة فمطلوب منها الاستمرار في مراكمة القوة وامتلاك أسلحة إستراتيجية فارقة في المعارك الكبرى مع الاحتلال لتحقق أهدافاً كبيرة بعد الضغط الكبير الذي تمارسه على العدو، وفي الداخل والقدس يجب أن تتواصل إستراتيجية الصمود والثبات مع المشاغلة الجزئية.

مشاغلة العدو في ساحة الضفة الغربية ربما يكون الأجدى في المرحلة الحالية، إذ إن عملية فدائية في الضفة، تحمل تأثيراً وضغطاً يحقق مبدأ المشاغلة وتعطي حالة ضغط كبيرة على المستوطنين والمستوى السياسي والأمني والعسكري، من دون أن تكون له ردود فعل كبيرة على المقاومة وقدراتها في الساحات الأخرى.

يجب أن يعي جميع الفلسطينيين أن مشروع التحرير يشمل استراتيجيات وآليات عمل متنوعة، وأن نهج المقاومة لا يقبل المساومة على الأرض والحقوق في مقابل تحسينات اقتصادية وغيرها، وأن التحرير هو الأولوية التي يجب أن تعمل الساحات كلها من أجلها.

حصيلة العدوان الصهيوني.. 45 شهيدًا و360 جريحًا ودمار هائل

وفقًا لآخر الإحصائيات الفلسطينية، بلغت حصيلة العدوان الصهيوني على قطاع غزة، الذي استمر ثلاثة أيام، 45 شهيداً، منهم 15 طفلاً وأربع سيدات، و360 مصاباً بجراح مختلفة.

و أن 9 بنايات سكنية دمرت تمامًا، ولحقت أضرار بأكثر من 1500 وحدة سكنية، منها 16 دمرت كليا، و71 باتت غير صالحة للسكن، و1400 وحدة بضرر جزئي ما بين بليغ ومتوسط.

كما كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن تسجيل لجنة المالية في « الكنيست الإسرائيلي» 222 حالة ضرر مباشر في غلاف غزة، منها 84 في عسقلان، و66 في سيديروت، و72 في مناطق أخرى و ومن بين المجمل 114 ضررًا في مباني، و97 في مركبات، بفعل صواريخ سرايا القدس في تأكيد واضح على صدق رواية المقاومة وفشل القبة الحديدية وتفنيد راويته الكاذبة.

رغم نجاح جيش العدو في استخدام عنصر المباغتة، وأخذ زمام المبادرة في عملية الاغتيال لقائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس تيسير الجعبري، وقصف مراصد الجهاد الإسلامي ومواقعها، فيما سُمّي «إسرائيلياً» ضربة 170 ثانية، لم تحقق هذه الضربة المراد منها، حيث مع أول رشقة صاروخية لسرايا القدس على منطقة “غوش دان” أثبتت سرايا القدس قدرتها على احتواء الضربة الأولى «الإسرائيلية»، التي كانت تهدف إلى تدمير منظومة القيادة والسيطرة لسرايا القدس، وإنهاء قدرتها على إدارة المعركة، بل سجّلت سرايا القدس إطلاق 1170 صاروخاً على الكيان الصهيوني خلال 56 ساعة فقط من القتال.

 

عن علي محمد

مدير التحرير

شاهد أيضاً

عملية غور الأردن.. مقاومة تتطور وفشل صهيوني يتعاظم

لم يعد مفاجئاً أن ترد الأخبار عن وقوع عملية فدائية جديدة في الضفة الغربية المحتلة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار