من 11 سبتمبر إلى 7 أكتوبر: رد الفعل على الحرب الزائفة على الإرهاب

على مدى 22 عاما، نفّذت الولايات المتحدة برنامج إسرائيل لزعزعة الاستقرار الإقليمي باستخدام الإرهابيين الوهميين كمبرر لـ “الحرب على الإرهاب”. لكن السابع من أكتوبر 2023 قتل مشروع الحرب الذي تقوده واشنطن والذي لا نهاية له.

بيبي إسكوبار

الحرب على الإرهاب التي أُنتِجَت في الولايات المتحدة كلفت ما لا يقل عن 8 تريليونات دولار، لا يمكن معرفة وجهة إنفاقها

كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 تهدف إلى ترسيخ النموذج الاستثنائي الجديد الذي فُرض على بداية القرن الحادي والعشرين. لكن التاريخ كان له رأي آخر.

أدى 11 سبتمبر 2001، الذي صُوّر كهجوم على الوطن الأميركي، إلى اندلاع الحرب العالمية على الإرهاب فورا، والتي انطلقت في الساعة 11 من مساء اليوم نفسه. بداية، أطلق عليها البنتاغون اسم “الحرب الطويلة”، لكن إدارة باراك أوباما قامت لاحقا بتعديله إلى اسم أقل إثارة للانتقادات: “عمليات الطوارئ في الخارج (OCO)”.

الحرب على الإرهاب التي أُنتِجَت في الولايات المتحدة كلفت ما لا يقل عن 8 تريليونات دولار، لا يمكن معرفة وجهة إنفاقها، وأودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص، غالبيتهم الساحقة من المسلمين، وتفرعت إلى حروب غير قانونية ضد سبع دول ذات غالبية مسلمة. وكل هذا بُرّر باستمرار بـ “الأسباب الإنسانية”، وبدعم مزعوم من “المجتمع الدولي” – قبل أن يتم تعديل هذا المصطلح أيضا إلى “النظام الدولي القائم على القواعد”.

“من المستفيد” (Cui Bono) يبقى السؤال الأبرز حول كل ما يرتبط بهجمات 11 سبتمبر 2001. شبكة محكمة من المحافظين الجدد الذين يضعون مصلحة إسرائيل أولا، عيّنهم في مناصب مؤثرة في مجال الدفاع والأمن القومي نائبُ الرئيس ديك تشيني – الذي شغل منصب وزير الدفاع في إدارة جورج بوش الأب – بدأت تنفيذ أجندة خُطط لها منذ زمن لمشروع القرن الأميركي الجديد (PNAC). كانت تلك الأجندة الطموحة تنتظر الفرصة المناسبة – “بيرل هاربور” جديدة – لتبرير سلسلة من عمليات تغيير الأنظمة والحروب في معظم أنحاء غرب آسيا وغيرها من البلدان الإسلامية، بهدف إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية لمصلحة إسرائيل.

الاعلان الشهير للجنرال الأميركي ويسلي كلارك عن مؤامرة سرية من قبل فريق تشيني لتدمير سبع دول إسلامية كبرى خلال خمس سنوات، بدءا من العراق وسوريا وليبيا وصولا إلى إيران، أظهرت أن التخطيط لهذه العمليات كان قد أعدّ مسبقا. المشترك بين هذه الدول المستهدفة أنها جميعها معادية بشدة لدولة الاحتلال وداعمة بقوة لحقوق الفلسطينيين.

من وجهة نظر تل أبيب، كانت الصفقة المثالية هي أن تخوض الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون هذه السلسلة من الحروب المربحة لإسرائيل، بذريعة الدفاع عن “الحضارة” في وجه “الهمج”. ولم يكن الإسرائيليون ليكونوا أكثر سعادة ورضا بشأن سير الأحداث.

ليس مستغربا أن يكون 7 أكتوبر 2023 مرآة لـ 11 سبتمبر 2001. وبالفعل، أعلنت الدولة المحتلة بنفسها أن هذا كان “11 سبتمبر” الإسرائيلي. هناك أوجه تشابه عديدة بين الحالتين، بطرق متعدّدة؛ لكن بالتأكيد ليس بالطريقة التي كان يتوقعها أنصار إسرائيل المتطرفون وعصابة الراديكاليين التي تقود تل أبيب.

سوريا: نقطة التحول

الهيمنة الغربية تتفوق في بناء السرديات وتواصل حاليا تعزيز مشاعر الخوف من روسيا، وإيران، والصين. فيما أي محاولة لزعزعة السردية الرسمية الثابتة، مثل تلك المتعلقة بأحداث 11 سبتمبر، تعدّ من المحرمات المطلقة.

لكن الرواية الزائفة لا يمكن أن تصمد إلى الأبد. قبل ثلاث سنوات، في الذكرى العشرين لانهيار برجي التجارة التوأمين في نيويورك وبداية الحرب على الإرهاب، شهدنا انهيارا جيوسياسيا كبيرا في تقاطع وسط وجنوب آسيا: عادت حركة طالبان إلى السلطة، محتفلة بانتصارها على الهيمنة الغربية في حرب فوضوية لا نهاية لها.

بحلول ذلك الوقت، كانت هوس “الدول السبع في خمس سنوات” – الذي يهدف إلى إعادة تشكيل “الشرق الأوسط الجديد” – يتعرض للعرقلة في كل المجالات. كانت سوريا هي نقطة التحول، رغم أن البعض قد يجادل بأن الإشارات كانت قد بدأت تتكشف بالفعل عندما هزمت المقاومة اللبنانية إسرائيل عام 2000، ثم مرة أخرى عام 2006.

تدمير سوريا المستقلة كان سيفتح الطريق لتحقيق الهدف المقدس للهيمنة – وإسرائيل – بتغيير النظام في إيران.

دخلت قوات الاحتلال الأميركي إلى سوريا أواخر عام 2014 بحجة محاربة “الإرهاب”. كان ذلك تطبيقا لما سمّاه أوباما “عمليات الطوارئ في الخارج”. لكن، في الواقع، كانت واشنطن تستخدم مجموعتين إرهابيتين رئيسيتين – “الدولة الإسلامية” المعروف أيضا باسم “داعش”، و”القاعدة” المعروف أيضا بـ”جبهة النصرة” ثم “هيئة تحرير الشام” – لمحاولة تدمير دمشق.

وقد تم إثبات ذلك بشكل قاطع في وثيقة لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية (DIA) رُفعت عنها السرية، وأكدها في ما بعد الجنرال مايكل فلين، رئيس وكالة استخبارات الدفاع عند كتابة التقييم: “أعتقد أنه كان قرارا متعمدا” (من قبل إدارة أوباما) بمساعدة الإرهاب وليس محاربته.

تم إنشاء لمحاربة الجيشين العراقي والسوري. انبثقت هذه المجموعة الإرهابية من “تنظيم القاعدة في العراق”، ثم أعيدت تسميتها بـ “الدولة الإسلامية في العراق”، وأخيرا “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”، بعدما عبرت الحدود السورية – العراقية عام 2012.

وكان كل من “داعش” و”جبهة النصرة” (التي أصبحت لاحقا “هيئة تحرير الشام”) تنظيمين متشددين يتبعان الفكر السلفي الجهادي، ويشكلان امتدادا لتنظيم “القاعدة”.

كان دخول روسيا إلى المسرح السوري بدعوة من دمشق في أيلول/ سبتمبر 2015 بداية التغيير الحقيقي لقواعد اللعبة. قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدخول فعليا في حرب حقيقية على الإرهاب، على الأراضي السورية، قبل أن يصل هذا الإرهاب إلى حدود روسيا الاتحادية. وقد عبرت موسكو عن هذا الوضع  آنذاك بعبارة شهيرة: “المسافة من حلب إلى غروزني هي 900 كيلومتر فقط”.

والروس، على أية حال، كانوا قد تعرضوا لأساليب الإرهاب نفسها في الشيشان في التسعينيات. بعد ذلك، هرب العديد من الجهاديين الشيشان، لينتهي بهم الأمر بالانضمام إلى تنظيمات مشبوهة في سوريا، يموّلها السعوديون.

وأكد المحلل اللبناني الكبير الراحل أنيس النقاش لاحقا أن قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني هو من أقنع بوتين شخصيا بدخول الساحة السورية والمساعدة في هزيمة الإرهاب. واتضح أن هذه الخطة الإستراتيجية كانت تهدف إلى إضعاف الولايات المتحدة بشكل قاتل في غرب آسيا.

وبطبيعة الحال، لن تغفر المؤسسة الأمنية الأميركية لبوتين، وخصوصا لسليماني، إلحاق الهزيمة بجنودها الجهاديين. بناء على أوامر من الرئيس دونالد ترامب، اغتيل الجنرال الإيراني المناهض لتنظيم داعش في بغداد في كانون الثاني/يناير 2020، إلى جانب أبو مهدي المهندس، نائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقي، وهو تحالف واسع من المقاتلين العراقيين اتحدوا لهزيمة داعش في العراق.

دفن إرث 11 سبتمبر

كان جهد سليماني الاستراتيجي في إنشاء وتنسيق محور المقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة نتيجة سنوات من العمل. في العراق، على سبيل المثال، تم دفع الحشد الشعبي إلى الواجهة كقوة مقاومة لأن الجيش العراقي – الذي درّبته الولايات المتحدة وأخضعته لسيطرتها – لم يكن ببساطة  قادرا على محاربة “داعش”.

أُنشئ الحشد الشعبي بعد فتوى من المرجع آية الله علي السيستاني في حزيران/يونيو 2014 – عندما بدأ “داعش” هجومه على العراق – دعت “جميع المواطنين العراقيين” إلى “الدفاع عن البلد، وشعبه، وشرف مواطنيه، ومقدساته”.

وحظيت وحدات الحشد الشعبي بدعم من فيلق القدس بقيادة سليماني – والذي، من عجيب المفارقات، أن واشنطن ستظل تصنّفه “إرهابيا” طوال العقد التالي. وفي الوقت نفسه، استضافت الحكومة العراقية مركزا استخباراتيا لمكافحة “داعش” في بغداد، بقيادة روسية.

يعود الفضل في هزيمة “داعش” في العراق في الغالب إلى وحدات الحشد الشعبي الذي استكمل جهوده بمساعدة دمشق عبر دمج بعض وحداته في الجيش العربي السوري. كانت هذه حربا حقيقية على الإرهاب، وليس ذلك المصطلح الأميركي المضلل الذي يطلق عليه “الحرب على الإرهاب”.

والأهم من ذلك، أن المواجهة المحلية للإرهاب في غرب آسيا كانت ولا تزال غير طائفية. تدعم طهران سوريا العلمانية التعددية وفلسطين السنية؛ يتميز لبنان بتحالف بين حزب الله والمسيحيين؛ ويشمل الحشد الشعبي في العراق تحالفا سنيا – شيعيا – مسيحيا. ببساطة، سياسة “فرّق تسد” لا تنطبق على الإستراتيجية المحلية لمكافحة الإرهاب.

بعدها، دفعت أحداث 7 أكتوبر 2023 بروح قوى المقاومة الإقليمية إلى مستوى جديد تماما.

ففي خطوة واحدة سريعة، دمرت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وتفوقه في المراقبة والاستخبارات. وحتى في الوقت الذي تتواصل فيه أعمال الإبادة الجماعية المروعة في مختلف أنحاء غزة (مع ما قد يصل إلى 200 ألف قتيل من المدنيين، وفقا لمجلة “لانسيت”)، يتعرض الاقتصاد الإسرائيلي يتعرض لأضرار بالغة ومؤلمة.

الحصار الاستراتيجي الذي يفرضه اليمن على باب المندب والبحر الأحمر على سفن الشحن المرتبطة أو المتجهة إلى إسرائيل هو ضربة معلم في الكفاءة والبساطة. إذ لم يتسبب فقط في إفلاس ميناء إيلات الاستراتيجي الإسرائيلي، بل شكّل أيضا، كميزة إضافية، إذلالا مذهلا للقوة البحرية للهيمنة، مع إلحاق اليمنيين فعليا هزيمة بالبحرية الأميركية.

في أقل من عام، أهالت الاستراتيجيات المنسّقة لمحور المقاومة التراب على “الحرب على الإرهاب” المزيفة ومواردها المالية الضخمة التي تقدر بتريليونات الدولارات.

وبقدر ما استفادت إسرائيل من الأحداث التي تلت 11 سبتمبر، فإن تصرفاتها بعد 7 أكتوبر سرّعت من تفككها. اليوم، وسط إدانة عالمية واسعة للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، تقف دولة الاحتلال منبوذة – مما يلطّخ حلفاءها ويكشف نفاق الهيمنة مع مرور كل يوم.

أما بالنسبة للهيمنة، فإن الأمور أكثر مدعاة للقلق. ولنتذكر التحذير الذي أطلقه الدكتور زبيغنيو بريجنسكي عام 1997 بشأن “رقعة الشطرنج الكبرى”: “من الضروري ألا يظهر أي منافس أوراسي قادر على السيطرة على أوراسيا وبالتالي تحدي أميركا أيضا”.

في النهاية، كل الضجيج والصخب المتعلق بـ 11 سبتمبر، و”الحرب على الإرهاب”، و”الحرب الطويلة”، وعمليات هذا وذاك على مدى عقدين، تحولت إلى ما كان بريجنسكي يخشاه بالضبط. لم يظهر مجرد “منافس” فحسب، بل شراكة استراتيجية متكاملة بين روسيا والصين تحدد الآن اتجاهاً جديداً لأوراسيا.

فجأة نسيت واشنطن كل شيء عن الإرهاب. “العدو” الحقيقي يتمثل في أكبر “تهديدين استراتيجيين” للولايات المتحدة، وليس تنظيم “القاعدة” وتشكيلاته العديدة التي كانت من نسج خيال وكالة المخابرات المركزية، والتي أعيد تأهيلها وتنظيف صورتها في العقد الماضي، وتقديمها كجماعات متمردة “معتدلة”.

الأكثر إثارة للقلق أن “الحرب على الإرهاب” التي لا معنى لها من الناحية المفاهيمية والتي صاغها المحافظون الجدد مباشرة بعد 11 سبتمبر، تتحول الآن إلى “حرب إرهاب” (مع التأكيد على الكلمة)، كمحاولة يائسة من وكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات البريطانية لمواجهة “العدوان الروسي” على أوكرانيا، بما يشبه التمريرة الطويلة التي يقوم بها فريق كرة القدم في اللحظات الأخيرة من المباراة لتحقيق الفوز.

لقد تم فضح زيف الحرب على الإرهاب؛ وهي ميتة الآن. لكن استعدوا لسلسلة من حروب الإرهاب من قبل قوة الهيمنة غير المعتادة على عدم فرض سرديتها وسيطرتها على البحار والأرض.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام والدراسات الفلسطينية، وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

عن علي محمد

مدير التحرير

شاهد أيضاً

«ناشونال إنترست»: التهديد اليمني يحتجز ثلث قوة حاملات الطائرات الأميركية

مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية تتحدث عن التكلفة العالية، التي تتكبدها الولايات المتحدة لمواجهة التهديد اليمني …

آخر الأخبار