بقلم: ياسر المصري عضو اللجنة المركزية للحركة
(مجلة فتح – العدد768)
بعد استشهاد القائد إسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس)، اعتقد العدو الصهيوني واهماً بأن هذا الاغتيال سوف يؤثر على معنويات المقاومة الفلسطينية وتتراجع قدرتها على المواجهة مع المشروع الصهيوني، لكنه خاب ظن العدو لأن المقاومة استمرت ولم تتوقف بل إنها ازدادت قوة وعزيمة ومنعة، مع أن خسارة القائد إسماعيل هنية كانت خسارة كبيرة للمقاومة الفلسطينية، لأنه كان رجلاً وحدوياً، وكان قائداً مميزاً في الميدان السياسي والعسكري، كما أنه كان زعيماً شعبياً أحبه الناس جميعاً.
وها هي اليوم المقاومة في غزة والضفة الغربية، تزداد اشتعالاً تحت أقدام الغزاة الغاصبين، ففي قطاع غزة يزداد أعداد القتلى من جيش الاحتلال الصهيوني، وتكبيده خسائر بالأرواح والعتاد العسكري بشكل يومي مما يجعل ضباطه وعناصره من الصراخ والعويل بضرورة إيقاف تلك الحرب التي يحاول الكيان الصهيوني تصديرها على أنها نصر صهيوني كما قال آموس هارئيل إن قيادة الأركان في وضع صعب بسبب شعور الاخفاق إثر فشل الجيش في التصدي لهجوم السابع من أكتوبر.
فالمقاومة الفلسطينية لم تهتز أو تتراجع عند اغتيال أحد قياديها أو كوادرها، بل إنها تزداد صلابة، وذاك ما حدث عند اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، وكذا الأمر عند اغتيال الشهيد أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي في قطاع غزة حيث تطور القتال بأشكاله المختلفة، وهناك العديد من القيادات الفلسطينية التي لا مجال لذكرها الآن، التي روت بدمائها الطاهرة أرض فلسطين والتي كان لها الأثر الكبير في الثورة الفلسطينية وتطورها والتي مازالت بأفكارها إلى يومنا هذا تلح علينا بالاستمرار في طريق الثورة حتى تحرير فلسطين.
وليست المسألة مرهونة فقط في الداخل الفلسطيني، بل أن جبهات الإسناد الأخرى ومنها جبهة الجنوب اللبناني لها دوراً هاماً على صعيد المقاومة واستشهاد قادتها مثل القائد فؤاد شكر لن يثني حزب الله عن الاستمرار في ذات الطريق الذي سلكه فؤاد شكر، بل أنها باستشهاده تعلن ليس الثأر له وحسب بل الاستمرار بتلك المقاومة حتى تحرير فلسطين من رجس العدو الصهيوني.
فبرغم حجم الضحايا الفلسطينيين الكبير جداً والذي فاق الخمسون ألف شهيد، وأكثر من مائة ألف جريح، إلا أن المقاومة مازالت صامدة، وهذا دليل وواضح على موقف البنية الحاضنة لتلك المقاومة، ولولا تلك البنية لما استطاعت المقاومة بالاستمرار في مقارعة العدو الصهيوني، إلا أنها مازالت تلتف حول المقاومة وتساندها وتقف إلى جانبها، وذاك شيء عظيم يسجل لأبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، الذين قدموا خيرة أبنائهم فداء لفلسطين وللمقاومة، وضحوا بمنازلهم التي دمرت بعد أن بنوها بعرقهم ودمائهم.
ولكن من أهم ما حققته تلك المعركة (معركة طوفان الأقصى) هو انقلاب المشهد الإعلامي، فبعد أن كان الإعلام مسخراً للسردية الصهيونية التي تقوم على أن المقاومة الفلسطيني هي التي تقطع الرؤوس وتبقر البطون وتقتل الأطفال، أصبحت السردية الفلسطينية هي المسيطرة على الإعلام وخاصة الإعلام الغربي والتي تعاطف معها الجمهور في تلك البلاد وأصبحت المسيرات والاعتصامات المؤيدة للحق الفلسطيني، وذاك إنجاز عظيم لصالح القضية الفلسطينية.
ناهيك عن مسألة في غاية الأهمية تحطم أسطورة التفوق الصهيوني والجيش الذي لا يقهر إلى جيش ممكن قهره من قبل حفنة من المقاومين استطاعوا أن يحرروا مستوطنات غلاف غزة خلال ساعات قليلة، وأن يأسروا أكثر من مئتان وخمسين أسيراً صهيونياً وأن يسيطروا على فرقة عسكرية تعتبر أهم الفرق في الكيان الصهيوني لقدراتها التجسسية على المنطقة برمتها.
واليوم مازالت المعركة مستمرة بعد ما يقارب العام إلا قليلاً، حيث أن المقاومة برغم الحصار المفروض عليها إلا أنها استطاعت من إعادة العمل في مصانع الأسلحة تحت الأرض واستطاعت من تصنيع الأسلحة الصاروخية التي دكت بها المستوطنات والمدن الصهيونية مؤخراً بع أن اعتقد الكيان الصهيوني بأن المقاومة قد تراجعت عسكرياً.
وفي الواقع الفلسطيني المقاوم يمكن القول بأن المفاوضات الجارية هذه الأيام، وبغض النظر عن وصولها إلى اتفاقيات أم لم تصل، فإن المفاوض الفلسطيني يقف اليوم نداً للكيان الصهيوني من حيث الإقرار بوقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الصهيوني من قطاع غزة، إضافة إلى إطلاق الأسرى الفلسطينيين وفي مقدمتهم كل الأسرى المحكومين بالمؤبدات، هذا إلى جانب عودة النازحين إلى منازلهم دون قيد أو شرط، وإعادة السكان وإعمار غزة، وكلها شروط تضعها المقاومة نصب عينها من أجل وقف إطلاق النار، وفيما عدا الموافقة الصهيونية على تلك الشروط فإن المقاومة مستمرة في عملها حتى يذعن الكيان الصهيوني لها.
وختام القول فإن المقاومة الفلسطينية لن تتنازل عن أي حق من حقوق شعبها لأنها الناطق الرسمي باسمه، ولا يوجد أي حق لأي مفرط أو متنازل الحديث باسم الشعب الفلسطيني، لأنه لا يملك ذاك الحق فالبندقية هي التي تتحدث وهي التي ترسم طريق تحرير فلسطين… كل فلسطين.