(مجلة فتح – العدد768)
ما كان بالأمس إرهاصات، تحول اليوم إلى حقيقة، وما لم يتجاوز حد المخاوف في السابق أصبح الآن ضمن المشاهدات اليومية.. في جنين، وطولكرم، ونابلس، والخليل، وطوباس، وقلقيلية، وفي سائر مدن الضفة الغربية، بات لزامًا على جيش الاحتلال ألا يكون أقل يقظة من معركته في غزة أو جنوب لبنان؛ فالمعركة تدور بين جنبات ثكناته وحواجزه ومقار إقامات قواته، ولم تعد الضفة الغربية جبهة إسناد لغزة، بل هي في صدارة المشهد ومقدمة الصفوف.
التدرج المتصاعد للمقاومة في الضفة الغربية، كان أكثر ما يمثّل مخاوف لدى الاحتلال منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى؛ فهي الجبهة الأقرب إليه ومن ثم هي الأخطر عليه، ولم تعد تنفعه الإجراءات العسكرية التقليدية من تفتيش ومداهمات واعتقالات وإقامة حواجز؛ حيث بات يقينيًّا أن المقاومة أعدّت عدتها لمواجهة ذلك كله ونوّعت في طريقة مقاومتها للاحتلال، حتى بات تفجير العبوات الناسفة في الآليات الإسرائيلية إحدى أبرز أدوات المقاومة، والتي لم يكن لها وجود في السابق فإذا هي الآن عنوان التنكيل بقوات الاحتلال.
أخذت المقاومة تثخن في العدو وتقدم ما لديها من بطولات وتضحيات لتخفيف الضغط على قطاع غزة الذي يعاني ويلات الإبادة الجماعية والمجازر الوحشية ، وقد تجاوز عدد شهداء ومفقودي غزة ما يزيد عن 50 ألفًا، بالتزامن مع تدمير كل مناحي الحياة في القطاع، وهذا ما دفع المقاومة في الضفة لتكون ظهيرًا لغزة، فقدمت التضحيات التي تمثلت في ارتقاء أكثر من 640 شهيدًا ونحو 5400 مصابًا، بالإضافة لآلاف المعتقلين، منذ اندلاع طوفان الأقصى.
في الوقت ذاته سعت حكومة الاحتلال لاستغلال الحرب في قطاع غزة، لكي تنفذ مخططاتها من توسيع استيطاني وإقامة بؤر جديدة في ظل غياب لأي دور دولي في محاسبة الاحتلال على هذه الجرائم، واستعر اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال لفرض واقع جديد في القدس الشريف بمزيد من الاقتحامات المتكررة لجماعات المستوطنين للمسجد الأقصى، حتى بلغ الأمر بأن أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير السعي لإقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى.
سياسة الاغتيالات الإسرائيلية للمقاومين زادت وتيرتها مع تصاعد المقاومة ضد قوات الاحتلال، ولا يكاد يمر يوم حتى تشيع الضفة واحدًا او أكثر من أبطالها في استهداف إسرائيلي جبان، كما حصل باغتيال 10 شهداء في جنين وطوباس ضمن العدوان الموسع الذي أعلن عنه جيش الاحتلال شمالي الضفة الغربية.
وفي خطوة إجرامية جديدة، أعلن جيش الاحتلال في الساعات الأولى من ليلة 28/8 بدء ما أسماه «عملية موسعة» في مدن شمال الضفة: جنين وطولكرم وطوباس والمخيمات وعدة أحياء من نابلس، مبينًا أنها ستستغرق وقتًا طويلاً، وحسب وسائل إعلام «إسرائيلية» ينوي جيش العدو الصهيوني من هذا العدوان تدمير البنية التحتية للمقاومة في شمال الضفة، واصفًا إياها بانها الأعنف والأوسع منذ عملة السور الواقي التي وقعت عام 2002.
يحاول الاحتلال من خلال ارتكاب مزيد من جرائمه في الضفة الغربية أن يسكت صوت المقاومة، بينما لا يتأخر عليه رد أبطال الضفة الذين عزموا على المضي قدمًا لإيلام العدو بأكثر مما توقع، وذلك ما ظهر في ردود الأفعال العملية والإعلامية عقب البدء في العدوان الإسرائيلي فجر اليوم.
إعلام العدو الصهيوني.. جبهة الضفة الغربية تثير القلق
قدّرت وسائل إعلام العدو(26/8)، انضمام «لواء هجومي إسرائيلي» إلى منطقة الضفة الغربية، من أجل تعزيز عمليات «الجيش» في مواجهة فصائل المقاومة.
وقالت القناة الـ«14»العبرية، إنّه، بعد سلسلةٍ من الاستهدافات للقوات «الإسرائيلية» في الضفة، فإنّ المؤسستين الأمنية والعسكرية «تستعدّان لأنشطةٍ واسعة جداً في الضفة»، لافتةً إلى أنّ «جبهة الضفة الغربية تثير القلق بصورة كبيرة».
ونقلت القناة ال«14»، عن مصدرٍ في المؤسستين الأمنية والعسكرية «الإسرائيليتين»، قوله: «نستعد لزيادة الوتيرة في هذه الساحة، من أجل مواجهة العناصر الموجودة، والتي تعرّض أمن إسرائيل للخطر».
وقبل أيام، كشفت صحيفة «معاريف الإسرائيلية»، أنّ «الجيش الإسرائيلي» يتوقّع تصعيداً في الضفة الغربية، وخصوصاً في نابلس ومخيم بلاطة (أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية)، ستتخلله عمليات تفجيرية وانتحارية في «إسرائيل».
بدورها، نقلت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، تقديرات إلى أجهزة الأمن، جاء فيها أنّها تتوقع تصعيداً في الضفة الغربية، ربما سيكون بحجم انتفاضة، و«ستتخلله عمليات تفجيرية وانتحارية في إسرائيل»، وأن الانفجار في «تل أبيب»، قبل نحو أسبوع، قد يكون مؤشراً على ذلك، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت».
وقد أعلن العدو ليلة 27/8 بدء عدوان جديد هو الأوسع منذ عام 2000 في الضفة الغربية، بعد تصعيد مستمر منذ شهور، أطلق عليه اسم«المخيمات الصيفية» و هو في حقيقته اعتراف رسمي أن المقاومة في الضفة شديدة البأس، وأنه ذاق من جهاد أبطالها ما لم يعد يملك أمامه خيارًا آخر -كما صرح بذلك مسؤولون «إسرائيليون»-؛ حيث قال وزير الخارجية «الإسرائيلي» يسرائيل كاتس، صباح الأربعاء: «يجب التعامل مع التهديد في الضفة مثل غزة وتنفيذ إخلاء مؤقت للسكان، فهذه حرب على كل شيء».
ومع هذا التصعيد، يمكن القول إن الاحتلال بدأ في مواجهة صعبة قد تكلفه الكثير؛ حيث إن الضفة الغربية سجّلت في تاريخ المقاومة أنها أكثر من آلمت العدو في تاريخ الصراع معه، وبقدر خشية الاحتلال من هذه العواقب، تنتظر الضفة الغربية ملاحم بطولية وجهادية ربما تُسهم كثيرًا في تغيير المشهد الدائر على أرض فلسطين، بل وفي كل محاور الإسناد وجبهات الصراع.
وزير خارجية العدو يدعو إلى إخلاء مخيمات الضفة إلى إخلاء مخيمَي جنين وطولكرم من سكانهما، على غرار ما حصل في غزة، بحجة القضاء على المسلحين فيهما، مؤكداً أنها «حرب على كل شيء».
وقد نقلت صحيفة «معاريف الإسرائيلية» عن وزير الخارجية في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتس، قوله إنه يجب التعامل مع التهديد في الضفة الغربية مثل غزة، من خلال تنفيذ إجلاء مؤقت للسكان في مخيمَي جنين وطولكرم للقضاء على ما سمّاه ېالبنية التحتية للإرهاب» داخل المخيمين.