خليل نصر الله
(مجلة فتح – العدد768)
لم تنجح الضربات العسكرية الدقيقة التي شنها حزب الله والهجمات الدعائية السريعة في التصدي لروايات «إسرائيل» بشأن «عملياتها الاستباقية» يوم الأحد25/8 فحسب، بل أعادت أيضًا تعريف قواعد الاشتباك، الأمر الذي ترك «تل أبيب» في مواجهة الخسائر التكتيكية الفورية والمعضلات الاستراتيجية الطويلة الأجل.
الهجوم المركب، أظهر تكتيكات عسكرية اتبعتها المقاومة، وقد عملت بدقة عالية لإنجاح العملية
بعد انتظار دام 27 يومًا، نفّذ حزب الله رده على اغتيال العدو الصهيوني القائد العسكري البارز فؤاد شكر بضربة عسكرية دقيقة ومركبة، حملت جملة دلالات إن لناحية التوقيت غير المتوقّع أو مساحة الأهداف ورمزيتها أو حتى المفصل السياسي المرتبط بجولة محادثات بدأت يوم الأحد 25/8 في القاهرة.
نجح حزب الله في ضرباته، كما أكّدت بياناتها، فقد طالت الأهداف الموضوعة لها، وحقّق الحزب جملة أهداف استراتيجية مرتبطة بالردع وقواعد الاشتباك على المدى البعيد.
من ناحيتها، عملت «تل أبيب» على تسويق رواية لمجريات فجر الأحد، قدّمت خلالها منجزات عسكرية واستخبارية من خلال ما أسمته «ضربة استباقية» عمل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب له على تفنيدها ودحضها من أساسها، وهو ما ستتبيّن أثاره تباعًا داخل الكيان، فالحسابات بعد الرد ستبنى على حقيقة ما جرى وليس على ما صرح به المسؤولون «الإسرائيليون» وعلى رئيس الوزراء رأسهم بنيامين نتنياهو الذي أقرت حكومته بانتهاء الجولة.
الأهداف التي طالتها المقاومة
بحسب بيانات المقاومة التي تلت العمليات العسكرية فإن المقاومة نفذت هجومها المركب على مرحلتين:
المرحلة الأولى: استهداف بـ 340 صاروخ كاتيوشا: قاعدة ميرون، مربض نافيه زيف، قاعدة جعتون، مرابض الزاعورة، قاعدة السهل، ثكنة كيلع، ثكنة يوآف، قاعدة نفح، قاعدة يردن، قاعدة عين زيتيم، وثكنة راموت نفتالي.
المرحلة الثانية: مهّدت المرحلة الأولى التي تضمّنت قصفًا هدفه الأول إشغال الدفاعات الجوية «الإسرائيلية»، لبدء شنّ هجوم جوي في عمق الكيان بعدد كبير من المسيرات الهجومية استهدف قاعدتي عين شيمر للدفاع الجوي الصاروخي المتعدد الطبقات، وغليلوت وهي قاعدة الاستخبارات العسكرية «أمان».
الهجوم المركب، أظهر تكتيكات عسكرية اتبعتها المقاومة، وقد عملت بدقة عالية لإنجاح العملية، وقد أكّدت إصابة الأهداف وهو ما أنكره «الإسرائيليون» علانية تزامنًا مع ترويجهم لما قالوا إنه ضربة استباقية لمنع الهجوم.
«الضربة الاستباقية» ورد السيد نصرالله
بعد تنفيذ سلسلة غارات واسعة شملت أودية ومناطق حرجية عند الحدود وفي بعض مناطق إقليم التفاح، أخرج المتحدثين العسكريين رواية قدّموها للإعلام تتحدّث عن شنّ «ضربة استباقية» أزالت تهديدات لحزب الله وأحبطت هجومًا كان ينوي تنفيذه بآلاف الصواريخ اتجاه مناطق «مدنية» قبل أن يعدل من روايته في فترة ما بعد الظهر.
الرواية «الإسرائيلية» والتي تصدّر نتنياهو، رأس السلطة، تعزيزها عبر الادعاء بتدمير جيشه آلاف الصواريخ لحزب الله، سرعان ما ذهبت أدراج الرياح، أولًا مع تنفيذ حزب الله هجومه كما خطط ورسم له، وثانيًا مع تفنيد قدّمه نصرالله بيّن من خلاله أن المرابض والراجمات التي أعدت لتنفيذ الهجوم لم يطالها أي أذى وأنها جميعها انطلقت نحو أهدافها في الوقت المحدّد لتنفيذ الهجوم. وكذلك كشفه عن أن بعض المسيّرات ومن نوعيات معينة انطلقت من منطقة شمال الليطاني وأخرى من منطقة البقاع التي لم تطالها الغارات وهو ما يدلّل على أن أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» لم تكن على علم بتموضعات الأسلحة المعدة للهجوم وتموضعها.
لكن أبرز ما كشفه نصرالله هو فيما يتعلّق بنجاح المقاومة، وتحديدًا القيادي فؤاد شكر قبل استشهاده بعملية نقل صواريخ من أماكن تموضعها، في مشهد تضليلي ذات بعد استخباري شبهه بما سبق عملية «الوزن النوعي» التي نفّذها العدو الصهيوني خلال الـ 48 ساعة الأولى من عدوان تموز/يوليو عام 2006 وادعى فيها تدمير 80% من صواريخ حزب الله بعيدة المدى، ليتبين لاحقًا أن المقاومة غيّرت من تموضعات صواريخ دون أن يشعر «الإسرائيليون» به، وبالتالي يمكن القول إن المقاومة قد وجّهت ضربة استخبارية من خلال عملية تضليل قد تكون دامت لسنوات وامتدت خلال أيام المواجهة ما بعد الثامن من تشرين أول/أكتوبر، وهو ما يعقّد الكثير من الحسابات «الإسرائيلية» بل ويضر بخطط معدة مسبقًا للعدوان على لبنان، كما يعد ما كشفه نصر الله مكملًا لما كشفته المقاومة في مقطع “عماد 4” الذي يظهر منشأة صاروخية تحت الأرض.
دلالات رد المقاومة
أثبت حزب الله أنه غير مردوع وهو ما يفاقم المأزق الأمني المتصاعد لدى الكيان الإسرائيلي.
أن المقاومة وبعد اغتيال قائدها العسكري لم تتأثّر بإدارة عملياتها من حيث النوعية وهو أمر بالغ الأهمية ويسقط رهانات «إسرائيلية».
أن الحشود العسكرية الأميركية والغربية في المنطقة ليست عائقًا أمام المقاومة بل إن تنفيذ الرد هو بمثابة تحد لها.
أهداف الرد
حقّق رد المقاومة جملة أهداف بعضها مرتبط بالمعركة الحالية والآخر بقواعد الاشتباك والمعادلات التي تمكنت المقاومة من فرضها على مدى عقود من المواجهة:
إستراتيجيًا (على المدى البعيد)
أعادت المقاومة قواعد الردع التي حاول العدو خرقها وتغيّرها من خلال عدوانه على الضاحية.
كسرت هيبة العمق «الإسرائيلي» باعتبار أنها ضربت أهدافًا شمال تل أبيب وهو ما سيدفع المؤسسة الأمنية والعسكرية إلى إعادة حساباتها قبل أي خطوة أمنية أخرى داخل لبنان.
تثبيت معادلة حماية المدنيين من خلال حصر المواجهة في بعدها العسكري وهو أمر يفقد «إسرائيل» ورقة لطالما ارتكزت عليها في حروبها وهي لغة استهداف المدنيين للضغط على بيئة المقاومة وبالتالي دفع الأخيرة إلى تقديم تنازلات، تمامًا كما تحاول حكومة نتنياهو فرضه في غزة.
تكتيكيًا (أهداف مرتبطة بالمعركة الحالية)
نجحت المقاومة في فصل الرد عن عمليات الإسناد للمقاومة الفلسطينية، حيث كان يطمح «الإسرائيليون» والأميركيون بعد اعتداء الضاحية إلى وقف جبهة الإسناد اللبنانية، لكنها استمرت.
أبقت شمال فلسطين المحتلة ضمن دائرة النار وهو ما يشكل عامل ضغط متزايد على حكومة نتنياهو خصوصًا مع توسيع المقاومة دائرة استهداف المستوطنات.
كون ردها سبق بدء جولة محادثات القاهرة بوقت وجيز، أمّنت المقاومة من خلاله ورقة قوة للمفاوض الفلسطيني، وهو ما تبيّن سريعًا مع تمسّك وفد حماس بمطالبها المتعلّقة بوقف دائم للحرب وانسحاب جيش الاحتلال من غزة.
أثقل الحمل على المفاوض «الإسرائيلي» الذي توجّه نحو القاهرة حاملًا معه آثار ضربة غليلوت.
إبقاء جيش العدو في الشمال في حالة استنزاف متواصل بكافة فروعه.
لا شك أن المرحلة الحالية من الرد انتهت، فقد أكدت «تل أبيب» إن «هجومها» انتهى عند هذا الحد، فيما قالت المقاومة على لسان أمينها العام إن ردها انتهى حاليًا مع ترك مساحة لعمل آخر إن لم ترضيها نتائج العملية بعد جمع المعلومات حولها، وهو ما يترك تل أبيب بحالة ضغط وانتظار إلى جانب ترقبها رد إيران واليمن والمقاومة العراقية الذي من الواضح أنه سيكون بمستوى ما قام به حزب الله، ما يعيد قواعد اللعبة إلى ما سبق سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية، ويبقي زمام المبادرة بيد قوى المقاومة من خلال عمليات الإسناد التي تهدف إلى تشكّل حالة ضغط مستمرة على تل أبيب وواشنطن لوقف حربهما على قطاع غزة.
مسؤولون «إسرائيليون» بعد رد المقاومة: حزب الله يؤذينا.. وأعداؤنا يحددون توقيت التصعيد
مسؤولون «إسرائيليون» ينتقدون الحكومة في إثر الرد الأولي لحزب الله على اغتيال القائد فؤاد شكر، وسط خلافات داخل مجلس الوزراء وحزب «الليكود»، الذي يتزعّمه بنيامين نتنياهو.
وقد وجّه عدد من المسؤولين «الإسرائيليين» انتقادات إلى الحكومة «الإسرائيلية»، في إثر تنفيذ المقاومة الإسلامية في لبنان، فجر اليوم، ردها الأولي على اغتيال القائد الكبير فؤاد شكر، في وقت تحدثت فيه منصة إعلامية «إسرائيلية» عن «وقوع حدث قاسٍ عند شواطئ نهاريا صباحاً».
وشهدت حكومة الاحتلال خلافات بعدما نفّذ حزب الله هجومه بالصليات الصاروخية وأسراب المسيّرات، في المرحلة الأولى من الرد، كما شهد حزب «الليكود» خلافات أيضاً، بحسب ما أكدته «القناة الـ12 الإسرائيلية».
وأوعز رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، بنيامين نتنياهو، الذي يتزعم الحزب، للوزراء والنواب المنتمين إليه بعدم الإدلاء بتصريحات إعلامية.
ومن «الليكود»، أكد عضو لجنة الخارجية والأمن في «الكنيست»، حانوخ ميلبيتسكي، أنّ «إسرائيل فشلت، بينما سكان الشمال لا يتمتعون بالحماية».
وفي الانتقادات التي وجّهها مسؤولون «إسرائيليون» آخرون، أكد رئيس حزب «الأمل الجديد»، جدعون ساعر، أنّ «أعداء إسرائيل هم الذين يحددون توقيت التصعيد ومستواه، وليس نحن».
أما وزير ما يسمى «التراث الإسرائيلي»، عميحاي إلياهو، من حزب «عوتسما يهوديت»، فعلّق ساخراً على ما أسمته «إسرائيل» بـ«الهجوم الاستباقي» على الحزب قائلاً: «شنّ الهجوم عقب تهديد تل أبيب، في الوقت الذي يحترق الشمال منذ أشهر، أشبه بالسماح للسارق بأن يفرغ المنزل، وعلى أن يتم الرد فقط عندما يقترب من الخزنة».
ومن الحزب نفسه، أقرّ رئيس لجنة «الأمن القومي» وعضو «الكنيست»، العميد في الاحتياط تسفيكا فوغل، أنّ «إسرائيل تتعرض للأذى من قبل حزب الله».
بدوره، رأى نائب رئيس «الكنيست»، موشيه كينلي توربيز، من حزب «يش عتيد»، أنّ ما تقوله الحكومة عن «هجوم استباقي على لبنان هو نوع آخر من المراوحة، وهذا مؤسف جداً».
من جهته، رأى رئيس المجلس المحلي في مستوطنة «المطلة» في شمالي فلسطين المحتلة، ديفيد أزولاي، أنّ «الحكومة تخدع الإسرائيليين في الشمال، ورئيسها يتخلى عنهم»، واصفاً ما يجري بأنّه «حرب سلامة تل أبيب».
وكانت المقاومة الإسلامية في لبنان شنّت، فجر اليوم الأحد، «رداً أولياً» على اغتيال القائد شكر، بعددٍ كبير من المسيّرات تجاه عمق الكيان الصهيوني، مؤكدةً أنّها ستعلن عن الهدف العسكري النوعي الذي استهدفته لاحقاً.
واستهدفت أيضاً عدداً من المواقع والثكنات ومنصات القبب الحديدية التابعة للاحتلال في شمالي فلسطين المحتلة، بعدد كبير من الصواريخ.
وأكدت المقاومة تحقيق المرحلة الأولى من الرد نجاحاً كاملاً، مشددةً على أنّ «ادعاءات الاحتلال بشأن العمل الاستباقي الذي قام به والاستهدافات التي حققها وتعطيله هجوم المقاومة هي ادعاءات فارغة وتتنافى مع وقائع الميدان».