أحمد(مجلة فتح – العدد768) علي هلال
على مسافة من التاريخ القريب والبعيد يدخل الإرهابي مايكل دنيس روهان، ليدنس باحات الأقصى وليشعل فيها حريقاً في المصلى القبلي، ويدخل الإرهابي بن غفير، محمولاً على أوهامه التوراتية، ليدنس من جديد باحات المسجد الأقصى، وليشعل تحت جمر منبر صلاح الدين الأيوبي حريقاً جديداً، ويعيث المستوطنون شذاذ الآفاق فساداً في الأرض الطيبة التي بورك حولها.. لحظتان فارقتان فيما يتعرض له المسجد الأقصى من اعتداءات مستمرة وحرائق واعتداء على المصلين والمرابطين، محاولين انتزاع الأقصى من قلب الأمة، وانتزاع القدس من قلب الجغرافيا الفلسطينية الموحدة، لكن التاريخ لا يلبث أن يظل شاهداً على ما يجري وما يخطط له، من حفريات وتهويد يطال الأرض المقدسة، وصولاً إلى تهويد المكان والأرض والذاكرة.
إنها القدس مجاز فلسطين التاريخية.. فلسطين الكبرى التي زحف المقاومون على طريقها، طريق استعادتها وتحريرها، كما زحف صلاح الدين الأيوبي، وفي القلب مفاتيحها، دون اكتراث بالحريق أو دخول قطعان المستوطنين إلى باحاتها وبواباتها، وأمام عدسة التاريخ ستتواتر الوقائع في كثافة الصراع هنا والآن، صراع وجودي على الهوية التي لا يمكن انتزاعها من قلب المقدسيين، ومن قلب فلسطين كلها، لكن المقدسيين هم قنطرة الوصول والعودة، أولئك الذين ما برحوا يقاومون بكل وسائلهم الغزو الصهيوني وموجاته المتكررة، من الإرهابيين الجدد المستنسخين من باروخ غولدشتاين وأمثاله، ممن ولغوا في دمنا وأرضنا، أولئك المفسدون في الأرض المباركة، صراع مفتوح حتى تستوي الحقيقة على جودي الشهداء والشهود والمرابطين والزاحفين على طريق القدس… إنها القدس الحاضرة أبداً، رغم التهويد وتغيير الأماكن وتدنيس البيوت وسرقتها، ومحاولات طرد المقدسيين من بيوتهم أو إرغام أصحابها على البيع، لا سيما البيوت التي تحاذي المسجد الأقصى، والذي لم يخرج من جغرافيته لأنه في قلب التاريخ صورة الأمة ونداء مقاوميها وحبر مؤرخيها وأسفار المتبتلين بزيتونها وسنديانها، وزنزلخت شوارعها العتيقة، وروائحها في ذاكرة المقاومين المترعين بشذى القداسة، قداسة الأقصى، فكم على طريقها مشى المقاومون وزرعوا بأجسادهم كل أشجارها الواقفة، وألهموا دمهم لشقائق النعمان، وأزهار البنفسج الغافية بانتظار عودتهم.
إنها درب السماء، درب الصاعدين إلى فردوس فلسطين، من قلب غزة شهداء وأحياء، وأجيال كان أول درس أبجديتها فلسطين أولاً.
ذاكرة تتأبى على الحريق وارتداداته في زمننا المعاصر، وهو الذي يطيح بالغزاة كما أطاح بمن سبقهم من الصليبيين وغيرهم، والقدس تتوسط قلب الأمة لتضخ في شرايينها دم الشهداء، وآهات الجرحى، ونداءات الأسرى، فمن لم يصحو الآن لن يصحو أبداً، إنها آخر قلاع الكبرياء، ونشيد الكرامة في زمن العراء، إنها القدس وكفى، من توقظ النائمين من غفوتهم، وتدلهم على طريق الكرامة، ففلسطين الواحدة الموحدة قدر كل أحرار العالم، قدر التاريخ لئن يسجل وبعينين مفتوحتين: إن فلسطين وجدت ستبقى كما شعبها وتاريخها هوية المقاومة والتحرير.