ما هي الأهداف الجيواستراتيجية للتواجد الأميركي في سوريا؟

بينما كان انتباه العالم منصبًا على وحشية دولة الاحتلال الإسرائيلي، تم إهمال الاحتلال العسكري الأميركي غير الشرعي لسوريا المجاورة إلى حد كبير. والآن تتضافر المقاومة المحلية والإقليمية لاستهداف الاحتلال الأميركي بشكل مباشر.

محمد نادر العمري(عربي The Cradle عن)

 

الوجود الأميركي في سوريا أخذ شكلًا وزيادة تدريجية في قوامها وانتشارها العسكري

لم يكن من قبيل المصادفة أن تنتقي الولايات المتحدة الأميركية المنطقة الشمالية الشرقية من الجغرافية السورية، لتكون مركز تواجد لقواعدها العسكرية التي توزعت بـ 28 موقع، منها 24 قاعدة عسكرية، و4 نقاط تواجد، إلى جانب تجنيد قوى ذات إيديولوجيات مختلفة ومتناقضة في المنطقة الممتدة من الحدود السورية الأردنية العراقية في الجنوب الغربي، وصولًا لبعض مناطق غرب الفرات في الشمال الشرقي، وضمن المنطقة الشاملة لكامل الجغرافية شرق الفرات، بل كان هذا الانتشار والتموضع العسكرية وفق مخطّط مسبق، محدّد ومدروس، في أهدافه وأغراضه الجيواستراتيجية، محليًا وإقليميًا ودوليًا.

 

فالوجود الأميركي في سوريا، أخذ شكلًا وزيادة تدريجية في قوامها وانتشارها العسكري، إذ وفق المعلومات والبيانات الرسمية الأميركية، بلغ عدد جنودها في سوريا، 50 جندي نهاية عام 2015، ثم ارتفع إلى 500 جندي بنهاية 2016، ثم إلى 904 جندي في آذار/مارس 2017، وفي أواخر كانون الأول/يناير 2017، أعلن مسؤولون عسكريون أن عدد العسكريين الأميركيين في سوريا يفوق ألفي عنصر، بينما تحدث تقرير لشبكة بلومبرغ الأميركية، نشر (منتصف نيسان/أبريل 2017)، عن رغبة مستشار الأمن القومي الأميركي (حينها) الجنرال هربرت مكماستر بإرسال 50 ألف جندي للعراق وسوريا.

 

روّجت الولايات المتحدة لهذا الوجود والانتشار لمجموعة أسباب ودوافع مستغلة واقع الاضطراب الداخلي في سوريا، من انتشار للإرهاب وتوافر الأرضية والظروف الملائمة التي تم افتعالها نتيجة الدور الخارجي والذي اتخذ شكل تنظيمات ما يسمى “الجيش الحر”، ومن ثم “جبهة النصرة”، وصولًا لتوسع نفوذ تنظيم “داعش” الإرهابي، إضافة لضعف تواجد المؤسسات الحكومية، لتحقيق مصالح جيواستراتيجية على مختلف الصعد، والتي يمكن ذكرها وفق الآتي:

 

1.على الصعيد السوري: شكّل التواجد الأميركي داخل هذه الجغرافية وسيلة لإدارة هذا الملف بهدف إسقاط الدولة واستهداف الأمن القومي السوري بمختلف مجالاته السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والديموغرافية بما في ذلك تعزيز مسار التوظيف الاستراتيجي للقوى الكردية ودعم مشروعها ضمن ما يسمى الإدارة الذاتية، في إطار ما روجت له واشنطن لمشروعها القائم على إنشاء دولة سورية موحدة يحكمها نظام يرتبط بحكومة مركزية مقرها دمشق مع توزيع صلاحيات الحكم بين المركز والإدارات الذاتية أو الفيدراليات، فضلًا عن تحويل قواعدها لمراكز تدريب وانطلاق للتنظيمات المسلحة الموالية لها لاستهداف القوات الحكومية وتزويدها بالمعلومات والبيانات الاستخباراتية، إلى جانب استكمال فرض الحصار الاقتصادي على سوريا أو مايمكن تسميته بـ”الطوق الخانق” من خلال سرقة الموارد والثروات الوطنية وحرق المحاصيل الاستراتيجية وتعطيل خطوط الترانزيت والمعابر الحدودية، كما إن واشنطن هدفت لموازنة النفوذ الروسي في البلاد، ولاسيما إن موازنة هذا النفوذ جاءت بعد مشاركة موسكو بمحاربة الإرهاب وتوسيع قاعدتها البحرية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

 

ويمكن حصر الأهداف الأميركية من عملية النهب والسرقة للنفط والغاز السوري بمجموعة أهداف تتمثل في:

 

-مساعدة الإدارة الذاتية الكردية وذراعها العسكري ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية “قسد”على تمويل أنشطتها في المجالين السياسي والعسكري.

 

-استكمال إجراءات الحصار الاقتصادي على سورية، ولاسيما إن السيطرة على موارد الطاقة كان خطوة لاحقة لمجموعة إجراءات أميركية وغربية لفرض هذا الحصار، ابتداء من فرض العقوبات بشكل خاص على قطاع الطاقة السوري منذ شهر العاشر من العام 2011 وصولًا لتبني “قانون قيصر” الذي دخل حيز التنفيذ في حزيران/يونيو 2020، إلى جانب استهداف البنى التحتية الانتاجية والصناعية والسياحية والخدمية، والسيطرة على أهم المعابر الحدودية. بما يؤدي لعجز الأداء الحكومي من خلال تجفيف منابع التمويل، وهو ما تمثل بتصريح المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري عام 2022، إن العقوبات الأميركية ضد دمشق “ساهمت في انهيار قيمة الليرة السورية”، وأن “النظام السوري لم يعد قادرًا على إدارة سياسة اقتصادية فاعلة”.

 

– استغلال عوائد النفط والغاز من قبل واشنطن لتمويل تواجدها العسكري من نفقات روتينية أو اضطرارية من عوائد النفط السوري.

 

-عرقلة مسار مايمكن تسميته بـ”مرحلة التعافي” أو مشروع إعادة الإعمار في سوريا، بالتزامن مع توجّه واشنطن نحو تعزيز تواجدها في سوريا من خلال شركات نفطية كبيرة، وهو ماسربته شبكة (CNN) الأميركية في 7 آب/أغسطس 2020، حول موافقة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أول صفقة على الإطلاق لشركة أميركية هي “Delta Crescent Energy LLC”مقرها ولاية “دويلاير”، لتطوير وتحديث حقول النفط التي تسيطر عليها “قسد” بدعم أميركي في شمال شرق سورية وفق عقد سري.

 

-توجّه الولايات المتحدة الأميركية لاستخدام سلاح الطاقة كورقة تفاوضية بالمباحثات السياسية الخاصة في تحديد معالم مستقبل سوريا، سواء كان ذلك في إطار التباحث السياسي مع روسية، أو من خلال تكريس الأمر الواقع، وإبقاء حالة الفوضى والتوتر في المنطقة قائم، بما يوفر أرضية لاستمرار الأزمة السورية.

 

-إخراج سوريا من دائرة الدول المنخرطة في إدارة مصادر الطاقة بالمنطقة، إذ يتيح الهيمنة والسيطرة الأميركية على حقول النفط في المنطقة الشمالية الشرقية السورية، ونشر القوات الأميركية بها، ولاسيما على الحدود السورية العراقية، بعرقلة مشروع الغاز الإسلامي، إضافة لمشروع ربط البحار الخمسة الذي طرحته سوريا عام 2005، ووجود سد عسكري أمام استكمال جزء من مسار الحزام والطريق من سوريا باتجاه البحر المتوسط، وبالتالي هذا يجعل من سوريا دولة عاجزة وفقيرة تستنزف قدراتها، إضافة لإخراجها من دائرة المشاريع الجيواقتصادية، وعرقلة المشاريع الكبرى الدولية، مقابل إحياء وطرح مشاريع تتوائم مع مصالح الولايات المتحدة الأميركية، مثل طرح الرئيس جو بايدن مشروع “الهندي-الأوروبي” البديل عن مشروع الحزام والطريق.

 

-استخدام عامل وورقة النفط والغاز السورية، لإدخال بعض القوى السورية و ل لاسيما “قسد” من قوى كردية وفواعل ومكونات اجتماعية مندمجة خلالها، للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، من خلال الشراكة الاقتصادية، وهذا يتطابق مع تصريح القائد العام لـ “قسد”، مظلوم عبدي، حين ظهوره عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية في آذار/مارس من العام ٢٠١٩، ليعلن أن “قسد”، ومن خلفها “الكردستاني”، لا يجدون في إسرائيل، عدوًا بالمرة، علما أن وسائل الإعلام العبرية كانت قد أعدت مجموعة من التقارير في الفترة الممتدة بين شهري شباط/فبراير ونيسان/أبريل من العام الماضي من داخل الأراضي السورية، بدأت من مواكبة عملية السيطرة على بلدة “باغوز فوقاني”، التي تمت من خلال اتفاق بين “داعش”، و “قسد”.

 

2.على الصعيد الإقليمي: هدفت واشنطن منع إيران من انشاء خط أو أكثر من خطوط التواصل البري عبر الأراضي العراقية من إيران إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط في سورية ولبنان، لفك الحصار عنها بما في ذلك عرقلة الخط الإسلامي، كما شكل التواجد العسكري للولايات المتحدة في سوريا فرصة لإقامة قاعدة جوية بديلة احتياطية عن قاعدة “انجرليك” في ظل تعمق حدة الخلافات مع تركيا. كما أن التركيز الأميركي للتواجد بشكل مكثف في مناطق جنوب شرقي سوريا، لتعويض بعض مكتسباتها التي خسرتها في العراق، من حيث النفوذ والدور، فضلًا عن تواجد القواعد الأميركية في جنوب شرق سورية وأقصى شمالها، ولاسيما في القرى والمناطق المتصلة جغرافيًا مع غرب العراق، بما يتيح لها فرصة احتواء العشائر العربية وتقليبهم ضد سوريا وإيران، ولضمان إبقاء الحدود السورية العراقية تحت رقابة وهيمنة الولايات المتحدة لضمان وتأمين ” الأمن القومي الإسرائيلي” الساعي لإغلاق الممر البري.

 

3.أما على المستوى الدولي، فإن التواجد الأميركي في سوريا يحقق لها أهداف جيواستراتيجية، تسعى من خلالها واشنطن، تكريس هيمنتها على النسق والنظام الدولي، من خلال عدم السماح لأي من القوى الصاعدة مثل روسيا لحل الأزمات والنزاعات والصراعات دون تأثير ودور أميركي، كما إن هذا التواجد شكل سدًا وعائقًا أمام مشروع الصين العظيم أو ما يعرف “الحزام والطريق” والذي من شأنه، أن يعزز من النمو الاقتصادي الصيني بشكل لا يخدم التموضع والتحالف الأميركي.

 

وعلى الرغم من عدم تقديم عدد واضح من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 2015، لجنودها المنتشرين في سوريا، إلا أن التقديرات تؤكّد وجود ما يقارب 3000 جندي أميركي يتواجدون في القواعد المنتشرة بمحافظات الحسكة، ودير الزور، وغرب الفرات، وضمن الحدود السورية العراقية، وهذا الانتشار يتخذ شكل “الطوق” الذي يحيط بمنابع النفط والغاز السوري المتواجد في تلك الرقعة الجغرافية، التي تمثل غالبية الثروة الباطنية لسوريا، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال تمركز أهم القواعد سواء المحيطة في هذه المنابع أو ضمن الطرق الأمنة لتصدير منتجاتها:

 

-قاعدة رميلان: تعد أولى النقاط الأميركية في الجغرافية السورية، تقع في ريف الحسكة الشمالي الشرقي، وتتضمّن هذه القاعدة حوالى 500 عنصر، المهمة الأبرز لهم هي حماية المنشآت ومنابع النفط في المنطقة، والتي يبلغ عدد آبارها في منطقة الرميلان 1300 بئر، والتي يتراوح إنتاجها قبل عام 2011، إلى مقدار يتراوح بين 120 إلى 150 ألف برميل نفط يوميًا، وما يقارب من 2 مليون متر مكعب من الغاز.

 

-قاعدة الشدادي: تقع جنوب شرق  مدينة الشدادي و تحتوي على أهم خزانات النفط في المنطقة الشرقية، ويقع ضمن رقعتها “حقل الجبسة” الذي يضم نحو 500 بئر نفطي، ويعد ثاني أكبر حقول النفط في الحسكة، كما تضم معمل الشدادي للغاز.

 

-قاعدة حقل العمر: تعد أكبر وأهم القواعد التي تحتلها القوات الأميركية وتقع في المدينة العمالية التابعة لحقل العمر النفطي بريف دير الزور، الذي بلغ انتاجه قبل 2011، 80 ألف برميل من النفط يومياً، إضافة لقواعد حقل كونيكو وتل بيدر و قاعدة لايف ستون وقاعدة قسرك وقاعدة هيموس وقاعدة التنف وغيرها الكثير من القواعد المنتشرة ضمن أهم المناطق الحيوية في سورية.

 

رغم ذلك يبقى التواجد الأميركي في سورية دون أفق بعيد المدى، لذلك هو آني ولا يمكن استدامته لعدة أسباب، أهمها:

 

-عدم نجاح المساعي الأميركية بتغيير النظام السياسي القائم في سوريا، وتعرض الجنود الأمريكيين والقواعد المنتشرة في سوريا لعمليات عسكرية متصاعدة بلغت 102 هجوم منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، إضافة لتصاعد الرفض الشعبي من قبل العشائر العربية للوجود الأميركي في المنطقة واستمرار دعمها لممارسة القوى الكردية.

 

-نجاح الدبلوماسية الروسية والحراك العربي والصيني في إحداث مصالحة سورية تركية، ستجعل التواجد الأميركي بين خيارين أما المواجهة أو الانسحاب.

 

-الوضع الانتخابي الرئاسي الأميركي، قد يدفع الإدارة الحالية إن نجحت بالحد من وقف العنف في غزة، إلى أن تتوصل لاتفاق شامل على مستوى المنطقة قد يتضمن العودة للعمل بالاتفاق النووي الإيراني والانسحاب من العراق وسورية، بهدف تدعيم موقف الديمقراطيين لجذب أصوات الناخبين، كما إن وصول دونالد ترامب للسلطة قد يؤسّس لتفاهم روسي أميركي ينهي الصراع في أوكرانيا ويعجل من الانسحاب الأمريكي من سوريا.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام والدراسات الفلسطينية، وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصرا

عن علي محمد

مدير التحرير

شاهد أيضاً

بعد الصاروخ اليمني… قراءة في التوجهات الإسرائيلية تجاه جبهات المقاومة

وسام أبو شمالة   تجمع العديد من الأوساط الإسرائيلية والغربية على أن “إسرائيل” تفتقد إلى …

آخر الأخبار