إسرائيل تراهن بقوة على أن ينتهي التصعيد الأخير الذي تسبّبت به في غرب آسيا إلى نتيجة إيجابية. ولكن خصومها مستعدون أيضًا لخوض مجازفات جسيمة، وهم يستنتجون أن السلام قد لا يأتي إلا بتوجيه ضربة قوية ودقيقة لها.
علي صالحيان- عن عربي The Cradle
يبدو أن التحول الاستراتيجي لنتنياهو وقراره بتنفيذ الاغتيالات يهدفان إلى التوصل إلى نوع من التفاهم مع صانعي القرار الأميركيين الحاليين أو المستقبليين
في مجال اتخاذ القرارات عمومًا وفي العلاقات الخارجية تحديدًا، يواجه صانعو القرار عاملين أساسيين: “القدرة” و”الرغبة”. تشير القدرة إلى الأدوات والقوة المتاحة لتنفيذ قرار ما في العالم الواقعي. وإذا فهمنا الإطار المعرفي لأي جهة فاعلة، فسنرى أن عنصر الرغبة يرتبط بتقييمها لكلفة القرار والعائد منه. وبالتالي، إذا كانت لدى جهة فاعلة ما قدرة كبيرة على اتخاذ إجراء ما مع مكاسب كبيرة مقابل كلفة ضئيلة أو يمكن التحكم فيها، فمن المرجح أن تقرّر المضي قدمًا فيه.
في الأحداث الأخيرة، امتلك النظام الصهيوني القدرة على توجيه ضربات إلى أعدائه. العامل الأكثر أهمية الذي تغيّر، خصوصًا في السياسة الخارجية، هو تقييم الكلفة والعائد بالنسبة لإسرائيل بخصوص هذا الإجراء.
إسرائيل تتّجه نحو استراتيجيات أكثر خطورة
قيل كثيرًا بعد السابع من أكتوبر، أن إسرائيل اصبحت طرفًا يواجه تهديدًا وجوديًا، مما يعني أن لديها قدرة أعلى على تقبل مخاطر أكبر. وكما قال تامير باردو، المدير السابق للموساد “كانت إسرائيل تواجه أزمة وجودية”.
الهجوم الأخير على السفارة الإيرانية في دمشق نابع من هذا التفكير. في عملية صنع القرار لدى النظام، هناك عاملان يمكنهما إما زيادة العقلانية أو تقليل الحذر في قبول المخاطر والسيطرة على المتشدّدين في إسرائيل: العامل الأول، الولايات المتحدة؛ والثاني، الدولة العميقة أو المؤسسة الحاكمة في النظام الإسرائيلي.
وعلى ما يبدو، فإن التحوّل الحالي في عملية اتخاذ القرار في إسرائيل يجب تحديده ضمن أحد هذين العنصرين أو كليهما. لقد حدّت عملية “الوعد الصادق” لإيران في منتصف نيسان/أبريل واستعراض القدرات العسكرية الإيرانية من سلوك المخاطرة الإسرائيلي إلى حد ما، نظرًا لهذين العاملين المنظمين وللمخاوف المتعلقة بمخاطر حرب شاملة وتكاليفها العالية. كما أشار اللواء يحيى رحيم صفوي إلى قدرات البلاد الصاروخية خلال العملية العسكرية الانتقامية.
تصعيد محسوب
قد تؤدي استقالة غانتس إلى تفاقم الموقف الحالي المتصلّب للنظام. ومن جهة أخرى، أدى تراجع بايدن عن خوض السباق الرئاسي، واقتراب الانتخابات الأميركية المقبلة عام 2024 إلى تغيير الوضع.
السؤال الرئيسي الذي يمكن أن يقود إلى إجابة مناسبة مبنية على التحليل والمنطق، هو: لماذا اتخذ نتنياهو هذا القرار؟ هناك تحليلات مختلفة لذلك. رأى البعض فيه فرصة عملياتية لتنفيذ الاغتيال من دون تغيير في الاستراتيجية. ويرى آخرون أن الاغتيالات المتزامنة في بيروت وطهران، إلى جانب قبول النظام لكلفتها ومخاطرها، بمثابة تحوّل في الاستراتيجية ناجم عن رحلة واشنطن. أطلق ستيفن كوك على هذه الرحلة في موجزه المتخصص اسم “زيارة ذات مخاطر عالية إلى واشنطن”. بعد حوالى أسبوع من الرحلة، حدث هجومان إرهابيان مستفزان.
من الضروري أن نتذكّر أن مجرد وجود فرصة عملياتية للاغتيال – وخاصة بالنسبة لصانعي القرار السياسي – لا يبرّر تنفيذه. وهذا يعني أن مخاطر هذا الاغتيال، الذي سيستدعي ردًا مؤكدًا من طهران، تم أخذها في الاعتبار.
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قال خلال زيارته الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بيزشكيان “إن هذه الأحداث كانت محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لنشر الصراع في المنطقة”.
دبلوماسية عالية المخاطر مع واشنطن
مع ذلك، إذا قبلنا بأن تغييرًا استراتيجيًا (من حيث مستوى السياسة أو نوعها) قد حدث، فإن هناك ثلاثة سيناريوهات تستحق الاهتمام حول احتمال حدوث تغييرات في استراتيجيات الولايات المتحدة مع النظام بناءً على الزيارات الأخيرة:
- يسعى نتنياهو إلى فوز ترامب وقد حصل على الضوء الأخضر منه لتصعيد التوترات مع تجاهل إدارة بايدن. وهذا يعني أن ترامب لا يريد حربًا إقليمية لكنه يرحب بزيادة الضغط على إدارة بايدن والحصول على دعم الصهاينة.
2.نالت العمليات الأخيرة الضوء الأخضر من إدارة بايدن. فبايدن الذي لا يرغب في السيطرة على سلوك نتنياهو، وافق على هذه الاغتيالات لتحقيق مكاسب انتخابية، ويأمل أن لا تؤدّي هذه الاغتيالات التكتيكية إلى حرب إقليمية. وهذا يعد خدمة لنتنياهو نتيجة تحالفه مع الصهاينة واللوبي الصهيوني المؤثر في الانتخابات.
3.بروز تصوّر لحرب إقليمية يتضمّن مشاركة نشطة من كل من إسرائيل والولايات المتحدة، نظرًا لأن الحكومات الحالية تميل إلى الفوز بالانتخابات خلال زمن الحرب. ويشير هذا إلى أن الديمقراطيين يأملون في الاستفادة من الحرب الإقليمية والمشاركة العسكرية لضمان الفوز في الانتخابات المقبلة.
4.من بين هذه السيناريوهات، يبدو الثالث غير مرجح لأسباب عدة، مثل الطبيعة المكلفة للحرب، والحرب المستمرة في أوكرانيا، والتحديات الداخلية، وبالتأكيد خلافات هاريس مع نتنياهو.
يبدو أن السيناريوهين الأولين أو مزيجًا منهما معقولان. وهما يستندان إلى فرضية أن إسرائيل أصبحت أكثر نشاطًا واستقلالية وتُظهر سلوكًا عالي المخاطر، كما في الاغتيالات الأخيرة. وفي الوقت نفسه، تدرك إسرائيل والغرب أن محور المقاومة لا يرغب في حرب إقليمية.
خطوة محور المقاومة
لذا يبدو أن التحول الاستراتيجي لنتنياهو وقراره بتنفيذ الاغتيالات يهدفان إلى التوصل إلى نوع من التفاهم مع صانعي القرار الأميركيين الحاليين أو المستقبليين لتصعيد التوترات والحفاظ على حالة الأزمة.
اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس هو عمل تكتيكي في المقام الأول وليس استراتيجيًا في الساحة الإقليمية. مع ذلك، فإن استهداف إسماعيل هنية في طهران بعد تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، إلى جانب التوقّف لمفاوضات وقف إطلاق النار، ستكون له تداعيات استراتيجية على صورة القوة والأمن لإيران والوضع الإقليمي الحالي. هذا أدى إلى وضع قال فيه أمين عام حزب الله حسن نصر الله “إن إيران نفسها ملزمة بالرد على هذا العمل الإرهابي”.
خلاصة هذه النقاط أن إيران ومحور المقاومة يجب أن يزيدا من كلفة الأعمال العدائية على الإسرائيليين. وهذا يعني مستوى جديدًا من العمليات مقارنة بالسابق. ويبدو أن مستوى معينًا من النشاط المنظم يمكن أن يؤثّر بشكل كبير على استعداد الطرف الآخر لحرب إقليمية عبر رفع كلفة الحرب. وتتضمّن هذه المناورة العسكرية تفعيل القدرات عبر جميع الجبهات، مع استهداف بعض الأهداف وتدميرها أو وقوع إصابات.
تصميم هذا المستوى من العمليات، الذي يقل بدرجة عن الحرب الإقليمية، يفرض “كلفة محددة” على النظام الإسرائيلي ويُلفت انتباه الولايات المتحدة والغرب إلى “القوة المجردة” لمحور المقاومة. وهو ما عناه دبلوماسي إيراني قال لصحيفة وول ستريت جورنال: “سيكون ردنا سريعًا وثقيلًا”.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام والدراسات الفلسطينية، وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصرا