كيف تظهر الألعاب الأولمبية النفاق الغربي؟

هل هناك معايير مزدوجة في الألعاب الأولمبية؟ لقد تم منع الرياضيين الروس والبيلاروسيين من المشاركة في الألعاب الأولمبية في باريس بينما حصلت إسرائيل على تصريح مجاني، بينما تعرّض الرياضيون الصينيون للتنمر. فلا عجب إذن أن يطلق على هذا الحدث “أسوأ دورة أولمبية على الإطلاق”.

جيورجيو كافييرو

 

لاقت الدعوات إلى استبعاد إسرائيل من المشاركة في الألعاب الأولمبية بسبب جرائمها في غزة آذانًا صماء

يفترض أن الألعاب الأولمبية حدث دولي خال من السياسة يجمع الناس من كل أنحاء العالم. لكن، في الواقع ليس هناك فصل بينها وبين السياسة. على مدى عقود، أدّت الفضائح والاحتجاجات والمقاطعة إلى أن تلقي السياسة بظلالها بشكل كبير على هذه الألعاب. وهي، هذا العام، طغت على الأولمبياد بشكل كبير، شأنها شأن المعايير المزدوجة المزعجة والمثيرة للقلق عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل.

 

ففيما مُنع رياضيو روسيا وبيلاروسيا من المشاركة في الألعاب تحت أعلامهم الوطنية بسبب الصراع في أوكرانيا، وسُمح لهم بالمشاركة تحت راية محايدة، لم تؤد الحرب الوحشية في غزة إلى منع الرياضيين الإسرائيليين من المشاركة تحت علم الكيان.

 

ولاقت الدعوات إلى استبعاد إسرائيل من المشاركة بسبب جرائمها في غزة آذانًا صماء، رغم أن محكمة العدل الدولية وجدت في كانون الثاني/يناير أنه “من المعقول” أن تكون إسرائيل مذنبة بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وفي الشهر التالي، خلص تقييم منظمة العفو الدولية إلى أن “إسرائيل فشلت في اتخاذ حتى الحد الأدنى من الخطوات للامتثال” لأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ “تدابير فورية وفعالة” لحماية الفلسطينيين في غزة من مخاطر الإبادة الجماعية.

 

في أيار/مايو، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أنه طلب إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في غزة. كما أعادت محكمة العدل الدولية، وهي أعلى محكمة في الأمم المتحدة، التأكيد في رأي استشاري في وقت سابق من هذا الشهر على أن سيطرة إسرائيل على غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ترقى إلى مستوى الاحتلال غير القانوني.

 

تجاهل الأدلة

 

رغم كل هذه الأدلة التي تثبت أن إسرائيل جهة مارقة تنتهك بشكل صارخ المبادئ الأساسية للقانون الدولي، رفض رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ طلبًا من اللجنة الأولمبية الفلسطينية بمنع إسرائيل من المشاركة في الألعاب. وشدّدت رسالة اللجنة الأولمبية الفلسطينية على أن “الرياضيين الفلسطينيين، خصوصًا الموجودين في غزة، محرومون من المرور الآمن ويعانون بشكل كبير بسبب الصراع المستمر”. وزعم باخ أنه يرفض الانجرار إلى “الأجندات السياسية”.

 

وفيما عارض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منع مشاركة إسرائيل في الألعاب، اعتبر أحد المشرعين الفرنسيين أن إسرائيل تستحق المعاملة نفسها التي تلقتها روسيا وبيلاروسيا بسبب حرب أوكرانيا.

 

وقال النائب توماس بورتس، الذي ينتمي إلى حزب “فرنسا الأبية” اليساري، في تجمّع حاشد، إن الوفد الإسرائيلي “غير مرحب به في باريس” وأن “الرياضيين الإسرائيليين غير مرحب بهم في دورة الألعاب الأولمبية في باريس”. وأضاف “على دبلوماسيي فرنسا الضغط على اللجنة الأولمبية الدولية لمنع رفع العلم والنشيد الوطني الإسرائيلي، كما هي الحال بالنسبة لروسيا”.

 

وأثارت تصريحات بورتس ردود فعل عنيفة متوقعة. مع ذلك، هرع مشرعون فرنسيون آخرون، مثل أوريليان لو كوك، وجيروم ليغافر، ومانويل بومبارد، للدفاع عنه.

 

مقارنة الأرقام تظهر حقيقة الجرائم الإسرائيلية. في أقل من عشرة أشهر، كان الجيش الإسرائيلي مسؤولًا عن ما لا يقل عن 39,363 قتيلًا من بينهم ما لا يقل عن ١٥ ألف طفل، إضافة الى حوالى 90923 إصابة، فيما أصبح جزء كبير من قطاع غزة أرضًا غير مأهولة. ووفقًا لبعثة الأمم المتحدة لمراقبة حقوق الإنسان في أوكرانيا، بلغ عدد القتلى المدنيين خلال العامين الأولين من الحرب الأوكرانية 10582. ورغم أن المعاناة الإنسانية في أوكرانيا ليس لها ما يبررها، إلا أن من الصعب الاقتناع بأن الحظر المفروض على روسيا وبيلاروسيا لا ينبغي أن يطبق على إسرائيل بطريقة أو أخرى.

 

المفارقة هي أن إسرائيل متميّزة بقدرتها على التصرف مع الإفلات من العقاب. الجرائم التي ترتكبها في غزة وحشية وواسعة النطاق، بما في ذلك الإبادة الجماعية المعقولة – وهي أسوأ جريمة ممكنة ضد الإنسانية – ومع ذلك لم تواجه أي عواقب. بل قدّمت الولايات المتحدة اليها المزيد من الأسلحة والأموال لمواصلة ارتكاب الفظائع رغم الغضب العالمي.

“بفعلها ذلك، أظهرت الولايات المتحدة عدم جدوى النظام الدولي من خلال جعله أداة للقوة بدلاً من العدالة والإنصاف”.

 

ما يسمى “القيم الأولمبية”

 

ينص الميثاق الأولمبي على أن الألعاب تهدف إلى تعزيز أسلوب حياة يقوم على “احترام حقوق الإنسان المعترف بها دوليا والمبادئ الأخلاقية الأساسية العالمية”. لذا فإن السماح لإسرائيل بالمشاركة يشكل استهزاءً بهذا الميثاق.

 

استبعاد إسرائيل من الألعاب الأولمبية لأنها دولة فصل عنصري له سابقة تاريخية. فقد أدى انتهاك جنوب أفريقيا للميثاق الأولمبي إلى منعها من المشاركة في الألعاب في عامي 1964 و1968 قبل طردها بالكامل في عام 1970. وفي عام 1972، منعت اللجنة الأولمبية الدولية الفريق الذي يمثل رودسيا من المشاركة قبل استبعادها في عام 1976.

 

وقالت الصحافية اللبنانية غادة عويس، في مقابلة مع The Cradle، إن عدم رغبة اللجنة الأولمبية الدولية في إلزام إسرائيل بالمعايير نفسها المطبقة على الدول الأخرى يدل على “النفاق الغربي في أبهى صوره”.

 

وقالت راد “لقد ظهرت المعايير الغربية المزدوجة واضحة أمام العالم خلال الأشهر العشرة الماضية، حيث مُنحت إسرائيل حصانة تامة من العقاب في حربها على غزة. وقرار حظر روسيا وبيلاروسيا مع السماح لإسرائيل بالمنافسة هو مثال آخر على هذا النفاق”.

 

وأضافت عويس: “مهما كانت وجهة نظرك بشأن السياسة والرياضة أو حظر الرياضيين من المنافسة، فإن المشكلة هنا هي أن القواعد لا تنطبق بالتساوي على الجميع. فروسيا تُدان لأنها خصم للولايات المتحدة، في حين تخضع إسرائيل لمعيار مختلف لأنها حليف. هذه المعايير المزدوجة تساهم في تقويض الأنظمة نفسها التي يناصرها الغرب في كثير من الأحيان بأقواله وليس بأفعاله”.

 

الهدنة الأولمبية

 

بالتزامن مع افتتاح أولمبياد باريس، نشر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مقطع فيديو دعا فيه الناس إلى “بناء الجسور” و”تعزيز التضامن” سعيًا لتحقيق “الهدف النهائي: السلام للجميع”.

 

وحث غوتيريس جميع الدول على “إلقاء أسلحتها” واحترام روح الهدنة الأولمبية. والهدنة الأولمبية (ekecheiria) تقليد يوناني قديم جددته اللجنة الأولمبية الدولية عام 1992، وأعيد تأكيده في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويطالب بوقف جميع الأعمال العدائية في جميع أنحاء العالم قبل سبعة أيام من افتتاح الألعاب الأولمبية والبارالمبية، وعدم استئنافها إلا بعد سبعة أيام على الأقل من انتهاء الحدث.

 

لكن، بالنسبة للأيتام والجياع والنازحين والأرامل والممزقين والمصابين بصدمات نفسية في غزة، فإن خطاب غوتيريش النبيل حول “السلام للجميع” لا يمكن أن يكون أكثر انفصالًا عن كفاحهم اليومي في المذبحة التي ترتكبها إسرائيل باستخدام التكنولوجيا المتقدّمة جاعلة القطاع غير صالح للسكن.

 

إن إظهار اللجنة الأولمبية الدولية لا مبالاتها بحياة الفلسطينيين مجرد تذكير آخر بفشل المجتمع الدولي في الدفاع عن الفلسطينيين. إنه لمن المحبط أن يتمكن رياضيو إسرائيل، بعد ما يقرب من عشرة أشهر من السلوك الإجرامي الذي ارتكبته في غزة، من الوصول إلى باريس والمنافسة تحت العلم الإسرائيلي وكأنهم يمثلون دولة عادية.

 

في نهاية المطاف، ترفض اللجنة الأولمبية الدولية القيام بدورها في محاسبة إسرائيل بعد انتهاكها للقيم الأولمبية الأساسية، لذا يقع العبء على عاتق المواطنين الذين يحضرون ألعاب باريس وأولئك الذين يراقبون من بعيد أن يعملوا على زيادة الاهتمام العالمي بمحنة الفلسطينيين.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام والدراسات الفلسطينية، وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

عن علي محمد

مدير التحرير

شاهد أيضاً

الانتخابات الإيرانية: المعاني والأسئلة والإجابات

تشير هذه الانتخابات والدورات السابقة خصوصاً في العقدين الأخيرين إلى أنّ نموذج الديمقراطية الإيرانية في …

آخر الأخبار