(عن The Cradle عربي)
أربع حكومات أميركية متعاقبة زادت تدريجيًا من اعتمادها على استخدام الدولار الأميركي كـ”سلاح حرب”، ممّا أجبر دولًا حول العالم على إنشاء أنظمة مالية بديلة والسعي إلى التخلّص من الاعتماد على الدولار
تفرض الحكومة الأميركية، حاليًا، عقوبات على ثلث دول العالم، الأمر الذي يؤثّر بشكلٍ كبير على الدول ذات الدخل المنخفض، إذ أنّ 60% منها تخضع لنوع من العقوبات الأميركية، وفقًا لتحليل نشرته صحيفة “واشنطن بوست” حول سياسة البيت الأبيض الطويلة الأمد في الحرب الاقتصادية.
شهد هذا الاتجاه ارتفاعًا خلال الحكومات الأميركية الأربع الأخيرة وبلغ ذروته في عهد الرئيس جو بايدن، الذي فرض أكثر من 6,000 عقوبة في غضون عامين فقط.
وقال بيل راينش، المسؤول السابق في وزارة التجارة الأميركية، للصحيفة الأميركية: “إنّه الشيء الوحيد بين الدبلوماسية والحرب، وبالتالي أصبح أهم أداة في ترسانة السياسة الخارجية الأميركية.. ومع ذلك، لا أحد في الحكومة متأكّد ما إذا كانت هذه الاستراتيجية تعمل بالفعل”.
وبدأ الاعتماد المفرط لواشنطن على استخدام الدولار الأميركي ك”سلاح حرب” في التحوّل الملحوظ بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في نيويورك. حتى ذلك الحين، كانت العقوبات الاقتصادية تستهدف بشكلٍ رئيسي “الدول غير الملتزمة بالقواعد الدولية” مثل كوبا وليبيا لمنعها من المشاركة في النظام المالي العالمي وإثارة تغيير النظام.
ولكن منذ عام 2001، تمّ استخدام العقوبات بحرّية أكبر من قبل الرؤساء الأميركيين المتعاقبين لعزل الدول في جميع أنحاء العالم، ولا سيّما من خلال تحويل استراتيجيتهم إلى غرب آسيا والمناطق الشرقية، “عندما أصبحت وزارة الخزانة لاعبًا رئيسيًا في الحرب العالمية على الإرهاب، بدأ صانعو السياسات الأميركيون في فهم قوة الهيمنة المالية للأمّة”، حسبما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”.
شهدت الزيادة الكبيرة في العقوبات الاقتصادية الأميركية عالميًا تزامنًا مع نمو صناعة موازية تقدّر بمليارات الدولارات من الضغط والتأثير، إذ تنفق الحكومات الأجنبية والشركات العابرة للحدود “مبالغ ضخمة للتأثير على النظام”.
ويوضح التقرير أنّ “الكونغرس انخرط في هذا النشاط، ممّا أدّى إلى إغراق وزارة الخارجية والبيت الأبيض بطلبات فرض عقوبات، التي بدت في بعض الحالات وكأنّها تهدف إلى قطع المنافسة الأجنبية عن الصناعات المحلّية”، مضيفًا أنّه في حفلة عيد الميلاد عام 2011، غنّى آدم زوبين، المدير السابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، أغنية بعنوان “كل شيء نفعله هو عقوبات”.
وقال جورج لوبيز، باحث في العقوبات في جامعة نوتردام، لصحيفة واشنطن بوست: “كانت العقوبات الذكية تهدف إلى أن تكون مجموعة من الخيارات حيث يتم تطبيق العقوبة المناسبة على الجريمة ونقاط الضعف في البلد”، مضيفًا “بدلًا من ذلك، دخل صانعو السياسات إلى البوفيه وقالوا، سأضع كل شيء في طبقي”.
يتجاهل هذا النهج الذي يتّبعه مسؤولون متعاقبون في البيت الأبيض التأثير المدمّر لسياسات الإكراه الاقتصادي على السكّان المدنيين، حيث أظهرت دراسات عديدة أنّ العقوبات تسبّب معاناة هائلة وربّما وفيات تقدّر بمئات الآلاف.
وكتب الباحث الإيراني فرخ حبيب زاده في رسالةٍ نشرتها مجلة “ذا لانسيت” عام 2018، أنّ “الحقيقة المزعجة هي أنّ هذه العقوبات تؤثّر بشكلٍ غير مباشر على صحّة الناس وتؤدّي إلى عواقب مدمّرة. بعد فترة وجيزة من فرض العقوبات الاقتصادية على بلدٍ ما، تصبح العديد من الأدوية الضرورية للحياة غير متاحة. حتى إنتاج بعض الأدوية التي يتم تصنيعها في البلد يتراجع أو يتوقّف بسبب نقص في المكوّنات الأساسية أو قطع الغيار”.
ويضيف حبيب زاده: “نقص قطع الغيار لا يؤثّر فقط على الأجهزة الطبّية بل أيضًا على البنى التحتية الضرورية الأخرى مثل المولّدات الكهربائية؛ حيث تسبّب انقطاعات التيار الكهربائي المتكرّرة مشاكل خطيرة (فقدان اللقاحات، الأدوية، أجهزة التهوية، أجهزة المراقبة، إلخ).. يموت مئات الآلاف من الأشخاص بصمت بسبب الأمراض. هذه الإبادة الجماعية الصامتة في جزء من العالم الذي يغرق في الفوضى لا يلاحظها أحد أو ربّما يتمّ التغاضي عنها”.
بدوره، قال بن رودس، الذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي في حكومة أوباما، لصحيفة واشنطن بوست: “العقلية، التي أصبحت تقريبًا ردّ فعل غريب، في واشنطن هي: إذا حدث شيء سيّء في أيّ مكان في العالم، فإنّ الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على بعض الأشخاص. وهذا ليس منطقيًا”. وأضاف رودس: “نحن لا نفكّر في الأضرار الجانبية للعقوبات بنفس الطريقة التي نفكّر بها في الأضرار الجانبية للحرب”.
ووفقًا للتقرير، قام موظّفو وزارة الخزانة الأميركية في عام 2021 بصياغة اقتراح داخلي للحكومة الجديدة بقيادة بايدن لإعادة هيكلة “نظام العقوبات” في ما كان يمكن أن يكون “أكبر تعديل جوهري لسياسة العقوبات منذ عقود”.
ومع ذلك، رفض البيت الأبيض تنفيذ معظم التغييرات واستمرّ في الحفاظ على آلاف العقوبات ضدّ مئات الدول وفرض المزيد منها. وقال الأشخاص المطّلعون على الاقتراح الداخلي: “بحلول الوقت الذي أصدرت فيه وزارة الخزانة تقرير مراجعة العقوبات لعام 2021، في تشرني أول/ أكتوبر من ذلك العام، تقلّصت مسودّة التقرير التي كانت تتكوّن من 40 صفحة إلى ثماني صفحات واحتوت على التوصيات الأكثر ضعفًا من الوثيقة السابقة”.
وانهارت مناقشات مماثلة حول إعادة هيكلة سياسات الإكراه الاقتصادي لواشنطن في عام 2022، بعد بدء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
يذكر أنّ، استمرار اعتماد الولايات المتّحدة على العقوبات دفع العديد من الدول حول العالم إلى التفكير في التخلّص من الدولار في التجارة الثنائية. كما زاد الاهتمام بالكتل الاقتصادية البديلة مثل البريكس وميركوسور ومنظمة شنغهاي للتعاون.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام والدراسات الفلسطينية، وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً