بقلم: ياسر المصري/عضو اللجنة المركزية
(مجلة فتح العدد 766)
تأتي الذكرى السادسة والسبعين لنكبة الشعب الفلسطيني في ظل معركة محتدمة مع الاحتلال الصهيوني، يرتكب فيها العدو العديد من المجازر والدمار والقتل اليومي، ويسطر شعبنا الانتصارات المميزة التي نشهدها اليوم في قطاع غزة، والتي تعبر عن إرادة الصمود والمواجهة للفلسطيني الذي يرفض الاحتلال ولا يقبل به تحت أي ظرف من الظروف، لذلك يعمل اليوم بكل ما أوتي من قوة وإمكانيات متواضعة في ردع هذا العدو الغاصب، وتغيير معادلات الصراع معه، لأنه مؤمن تمام الإيمان بأن الحق الفلسطيني يجب أن يعود لأصحابه، وما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.
منذ ست وسبعون عاماً، أعلن العدو الصهيوني عن إقامة دولته المزعومة فوق أرض فلسطين، بدعم من الانتداب البريطاني وبدعم من الدول الاستعمارية الغربية، تحت حجج واهية بأنها أرض الميعاد الغير موجود إلا في ذهن أولئك الذين يتشدقون بالتلمود خدمة للمصالح الاستعمارية، يريدها الغرب للسيطرة على منطقتنا العربية ونهب ثرواتها والعمل على منع تطورها وتقدمها، ولإقامة كيانه ارتكبت العصابات الصهيونية المجازر الدموية بحق أبناء شعبنا في القرى والمدن الفلسطينية، كما أن التواطؤ العربي كان له دوراً واضحاً في تلك النكبة من حيث السلاح الفاسد والوعود الكاذبة التي أعطيت لأبناء شعبنا الفلسطيني في ذلك الحيز.
لذلك يمكن القول بأن التاريخ الفلسطيني مشهود له بأنه لم يستكين في يوم من الأيام للاحتلال الصهيوني، بل إنه منذ وعد بلفور وهو يقاوم العدو الصهيوني، حيث صارع العدو في العديد من المنازلات في معركة القدس الأولى والثانية، وهبة البراق، والإضراب الستيني والثورة الفلسطينية الكبرى، وصولاً إلى ثورتنا الفلسطينية المعاصرة، تلك الثورة المستمرة منذ عام 1965، إلى يومنا هذا وشعبنا الفلسطيني لم يبخل لا بالمال ولا بالأرواح بالتضحية في سبيل تحرير فلسطين.
إلا أن ما يجري اليوم في معركة طوفان الأقصى له نكهة خاصة، حيث أن المقاتل الفلسطيني استطاع بإمكاناته المتواضعة تركيع الجيش الذي لا يقهر بتحريره لمستوطنات غلاف غزة، وهذا لأول مرة، وإن كانت لساعات إلا أنها كانت المفاجأة للعدو الصهيوني، الذي اعتقد واهماً بأنه لا يمكن للمقاوم الفلسطيني أن يتجرأ على تحرير أرض فلسطينية مغتصبة، لذلك بقي العدو الصهيوني مذهولاً لأيام قبل أن يستفيق على وقع تلك الصدمة، التي مازال يعيشها إلى يومنا هذا.
وبعد ما يقارب الثمانية أشهر من المعارك الطاحنة مازال المقاتل الفلسطيني يقوم بعلمياته الفدائية من ضرب لدبابات الميركافا والنمير التي هي فخر الصناعة الصهيونية، ويأسر ويقتل الجنود الصهاينة، وكل ذلك بأسلحة متواضعة، بينما العدو الصهيوني الذي يمتلك ترسانات من الأسلحة الغربية والدبابات والطائرات غير قادر على النيل منها أو هزيمتها، لأنها تمتلك الإرادة الصلبة والعزيمة التي لا تلين في إيمانها المطلق بأن الحق يجب أن يعود للشعب الفلسطيني.
وبرغم المجازر التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني حيث وصل عدد الشهداء إلى أكثر من أربعين ألف شهيد وأكثر من ثمانون ألف جريح، بقي هذا الشعب صامد في أرضه لم يغادرها إلى أي بقعة في هذا العالم وبقي متمسكاً بالمقاومة، يذود عنها ويدافع عنها لأنها الخلاص الوحيد من الاحتلال الصهيوني، مع أن الدمار الذي وقع في قطاع غزة لم تشهده أي مدينة في هذا العالم حيث وصلت نسبة الدمار إلى 85% والحصار المفروض وسياسة التجويع التي يمارسها العدو الصهيوني في كل لحظة على أنباء القطاع، إلا أن القطاع لم يركع ولم يستسلم.
وها هي فلسطين اليوم تعود إلى واجهة الأحداث بعد أن حاول البعض من طمسها والتطبيع مع العدو الصهيوني وعقد الاتفاقيات معه، بل إنها تقدمت على المستوى العالمي بحيث أن المظاهرات التي تجري اليوم في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا كلها تقف إلى جانب الحق الفلسطيني وتسانده، وهاهم طلبة الجامعات الأمريكية وغيرها من المدن الغربية يتعرضون للضرب والإهانة والاعتقال، لكنهم يقفون ضد حكوماتهم ويعلنون صراحة بأن العدو الصهيوني هو القاتل ويجب أن يخضع للمحاكمات.
فما بين عام 1948، وعام 2003، صراع طويل قدم شعبنا الفلسطيني من خلاله خيرة أبناءه دفاعاً عن فلسطين، لكنه لم ييأس ولم يستسلم أو يرفع الراية البيضاء بل إن كل يوم يزداد تمسكاً في أرضه ويزداد تمسكاً بحقه بالعودة، وسيبقى يناضل حتى تحرير فلسطين.. كل فلسطين لا ينقص منها شبراً واحداً، لأنها بالنسبة له هي أرض الآباء والأجداد الذين رووها بعرفهم ودمائهم، وسوف يستعيدها الأبناء والأحفاد مهما غلت التضحيات.