(مجلة فتح – العدد 765)
منذ السابع من أكتوبر من العام الفائت والمنطقة العربية تعيش على صفيح ساخن، إثر الهجوم الفلسطيني الذي شنته المقاومة الفلسطينية على المستوطنات الصهيونية في غلاف غزة، والتي أدت إلى اعتقال ما يقارب 250 أسيراً صهيونياً وقتل ما يقارب 400 صهيوني، إضافة إلى مسألة في غاية الأهمية بأنه الهجوم الأول من نوعه والذي زلزل أركان العدو الصهيوني وجعله إلى يومنا هذا بلا توازن سياسي أو عسكري، فهو يتخبط في رده على المقاومة الفلسطينية، فبرغم عشرات آلاف الشهداء والجرحى وتدمير 90% من قطاع غزة، إلا أن المقاومة مازالت صامدة ومازالت توقع الخسائر البشرية والمادية في صفوف العدو، وذلك ما جعل العدو يعيش حالة من الهستيرية واللا توازن على المستويات المختلفة.
هذا إضافة إلى فتح جبهات أخرى في مواجهة الكيان الصهيوني، ففي الشمال اللبناني، أخذ حزب الله على عاتقه إشغال الكيان الصهيوني، حيث اضطر العدو إلى تجنيد ما يقارب الثلاث فرق العسكرية على الجبهة الجنوبية لفلسطين المحتلة، ونزوح ما يقارب النصف مليون مستوطن إلى وسط الكيان الصهيوني، واستطاع حزب الله أن ينجح في زرع الرعب في قلوب جيش الاحتلال، إضافة إلى جبهة اليمن التي أربكت العدو بصواريخها التي وصلت إلى ميناء إيلات، وإغلاق مضيق باب المندب البحري الذي أوقف التجارة البينية مع العدو الصهيوني وجعله يعيش حصاراً اقتصادياً وعسكرياً قاتلاً، كما أن الجبهة العراقية التي أرهقت العدو الأمريكي بقصف قواعده العسكرية أرهقته وجعلته مكتوف الأيدي أمام هجمات المقاومة العراقية الباسلة.
لقد كان ليوم القدس العالمي في هذا العام نكهة خاصة، إضافة إلى أن هذا اليوم أصبح يوماً عالمياً في مواجهة الاستكبار وأدواته، ففي معظم الدول العربية والإسلامية غصت الشوارع بالأحرار المؤمنين بتحرير فلسطين، ويعود الفضل في هذا اليوم إلى روح الإمام الخميني الراحل الذي أطلق هذا اليوم ودعا إلى الجهاد من أجل تحرير القدس والأقصى
وهنا يجب الإشارة إلى المهرجان الجماهيري الكبير الذي جرى في مخيم اليرموك، والاستعراض العسكري الذي جرى في بداية المهرجان على أنغام الموسيقى العسكرية، إضافة إلى الحضور الجماهيري الكبير الذي جاء من كل المخيمات الفلسطينية في دمشق.
إن ما جرى في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، كان شيئاً ملفتاً ومفاجئاً حيث قصف العدو الصهيوني القنصلية الإيرانية بدمشق، وراح ضحية هذا العدوان عدد من ضباط ا لحرس الثوري الإيراني وعلى رأسهم الحاج محمد رضا زاهدي، هذا الاعتداء يعتبر مخالفاً لكل الأعراف الدبلوماسية والقانونية، والذي جاء نتيجة حالة الهستيريا التي يعاني منها العدو الصهيوني، بسبب دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمحور المقاومة، وبالأخص المقاومة الفلسطينية التي دكت حصون العدو، وقلبت موازين الصراع العربي الصهيوني، وغيرت معادلات الحرب، حيث استطاعت المقاومة الفلسطينية من زرع الرعب في كل أركان الاحتلال الصهيوني.
ولكن ما يثلج الصدر ويرفع الرأس عالياً الرد الإيراني على الاعتداء الصهيوني على القنصلية الإيرانية، حيث أن الأشقاء الإيرانيين ردوا الصاع صاعين، وزرعوا الرعب في قلوب المستوطنين لأيام متتالية قبيل توجيه الضربة الإيرانية، واستنفر العالم بأجمعه من أجل الحيلولة دون أن تأثر إيران لنفسها، لكن إيران وجهت ضربة قاسية للعدو حيث أغارت بأكثر من ثلاثمائة طائرة مسيرة وأكثر من ثلاثين صاروخ كروز وصل البعض منها إلى القواعد العسكرية في النقب والجولان المحتل، برغم اشتراك القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية غيرها من الدول الأخرى لتلك الطائرات والصواريخ، ولقنت العدو درساً لن ينساه أبداً في التمادي على إيران أو على أي دولة من دول المحور.
ولا بد لنا هنا من الإشادة بالموقف السوري الصامد والداعم للقضية الفلسطينية، فبرغم تلقيها ضربات من الكيان الصهيوني من أجل ثنيها عن موقفها، لكن سورية العروبة بشعبها وجيشها وقيادتها مازالت صامدة، تقف شامخة في محور المقاومة، وتدعم كل المقاومات العربية، وتقف في وجه العدو الصهيوني الذي عمل جاهداً طيلة أكثر من خمسة عشر عاماً على النيل من سورية عبر الجماعات الإرهابية المسلحة، لكن كل محاولاته باءت بالفشل وها هي سورية اليوم صامدة شامخة رافعة الرأس والجبين.
ونحن اليوم في المقاومة الفلسطينية، وتحديداً بعد السابع من أكتوبر، نزداد عزيمة وصلابة لا تلين أو تنكسر، لأننا استطعنا من كسر أنف العدو وهيبته، ولدينا المقدرة من الاستمرار في المقاومة وإيقاع الخسائر البشرية والمادية في صفوف العدو الصهيوني، وعمقنا من أزمة الكيان الوجودية، حيث ازداد الشرخ في صفوف المستوطنين والهجرة خارج بلادنا خوفاً من ضربات المقاومة، برغم خسائرنا بعشرات الآلاف من الشهداء وأكثر من ثمانين ألف جريح، وما يقارب عشرة آلاف أسير، وتدمير ما يقارب 90% من المنازل والبنية التحتية، إلا أننا نقول بأننا صامدين في أرضنا لا نكترث لحجم الضحايا لأن فلسطين غالية وتستحق التضحية.