جيش العدو الصهيوني من الألوية النظامية إلى الوحدات النخبوية

لقد أثبتت معركة “طوفان الأقصى” بما حملته من مفاجآت، وبما أحدثته من تغيّرات، أن هذه “الدولة” الهجينة قابلة للسقوط والانكسار، وأن جيشها الذي كانت تُفاخر به، وتهدد به كل أعدائها في المنطقة، يمكن هزيمته أو على أقل تقدير منعه من تحقيق الانتصار.

( عن الميادين نت )

لطالما تم النظر إلى “الجيش ” الإسرائيلي بصفته واحداً من أكفأ الجيوش على مستوى العالم، وبأنه متفوّق على جميع أعدائه بمراحل من الصعب تعويضها أو حتى الاقتراب منها، سواء على صعيد الإمكانيات العسكرية والتسليحية أو فيما يتعلّق بالقدرات القتالية التي يملكها جنود ذلك “الجيش” الذي تغنّى الساسة الإسرائيليون طوال سنوات طويلة بقدراته الخارقة وإمكانياته الهائلة، وأطلقوا عليه من خلال أجهزة إعلامهم لقب “الجيش الذي لا يُقهر”، وهو الأمر الذي ترسّخ في أذهان الكثيرين، وتحوّل إلى قناعة غير قابلة للنفي أو التشكيك.

 

وعلى الرغم من أن جزءاً كبيراً مما تقدّم صحيح، وأن “الجيش” الذي كانت الدولة العبرية تملكه يحوز الكثير من المقوّمات التي تضعه في مصاف الجيوش الحديثة والقوية، فإنَّ طبيعة الحروب التي خاضها ذلك “الجيش”، وحجم الدعم اللامحدود الذي قُدّم له وما زال من حلفائه الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى مشكلات عديدة عانت منها الدول العربية التي خاضت حروباً عسكرية معه، أدى كله في كثير من الأحيان إلى ظهور “الجيش” الإسرائيلي بهذا الشكل “الهوليودي”، إلى جانب الدعاية الموجهة والهائلة التي أضفت عليه هالة مبالغ فيها من العظمة والقوة، ربما اقتربت في أوقات معينة من “الأسطورة”.

سقوط الوهم

من أهم العوامل التي ساعدت على ظهور “الجيش الصهيوني” بهذه القوة والاقتدار، كان نوعية الأعداء الذين واجههم في السنوات التي تلت تأسيس “دولة إسرائيل”، إلى جانب اعتماده على نوع معيّن من الحروب -الحرب الكلاسيكية – التي كانت تتوافق تماماً مع إمكانياته القتالية، وتتواءم إلى درجة كبيرة مع حجم القدرات التسليحية التي كان يملكها.

 

أعداء “إسرائيل” في تلك السنوات “العِجاف” كانوا عبارة عن دول عربية ضعيفة ومفكّكة عانت كثيراً من الأزمات، كان على رأسها ضعف العقيدة القتالية لجيوشها وانقسامات واضطرابات داخلية لها أول وليس لها آخر، إلى جانب افتقادها أسس الحرب الحديثة التي امتلك عدوها منها الشيء الكثير، إضافة إلى ضعف الإمكانيات التسليحية والقدرات العسكرية، وصولاً إلى كثير من الخيانات “الداخلية” التي ضربت أساسات تلك الجيوش، وأثّرت بشكل واضح في تماسكها، وأدّت إلى حدوث انهيارات كبيرة في صفوفها في عدد من المعارك التي كانت فاصلة وحاسمة إلى حدٍّ كبير.

 

هذا الحال تغيّر بشكل لافت وواضح، ولا سيما بعد اجتياح “جيش الاحتلال” العاصمة اللبنانية بيروت في العام 1982، وما تلا ذلك من ظهور لجماعات وفصائل مقاومة جديدة، سواء فلسطينية أو لبنانية، ذات عقيدة قتالية صلبة ورغبة في القتال والمواجهة رغم فارق الإمكانيات والقدرات بينها وبين “جيش” العدو، مروراً بالانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، والحروب مع غزة ولبنان في الألفية الجديدة، والتي ساهمت جميعها في إسقاط صورة “الجيش الأسطوري”، ومرّغت أنفه في التراب، وكشفت أمام العالم هشاشة وحداته القتالية وكتائبه العسكرية، وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنه يمكن لقوة ذات عقيدة ثابتة ومبادئ راسخة أن تهزمه أو بالحد الأدنى تمنعه من تحقيق أي إنجاز ذي معنى، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى تأكّل قوة ردعه وانتقاله من مرحلة الهجوم الدائم إلى الدفاع ضمن جغرافيا ضيقة لا تحتوي على أي عمق استراتيجي، ولا تملك مقوّمات البقاء من دون دعم حلفائه الغربيين.

ندوب في جسد “الجيش”

أفرزت التغيرات المشار إليه أعلاه العديد من المشكلات داخل صفوف “الجيش ” الإسرائيلي، عبّر عنها في كثير من الأحيان بعض القادة العسكريين رفيعي المستوى، منهم اللواء احتياط إسحق بريك، رئيس هيئة الموارد البشرية السابق في “جيش” الاحتلال، الذي حذّر أكثر من مرة من أن حجم الخلل داخل صفوف “جيش” العدو أكبر من أن يتم إصلاحه، وأن الصورة التي رُسمت له خلال السنوات التي تلت إنشاء الدولة العبرية ستضرر بشكل لافت خلال أي مواجهة متعدّدة الجبهات أو أن يكون الطرف الآخر لها قويّاً ومقتدراً.

 

آخر تصريحات بريك كانت قبل عدة أيام عبر صحيفة “معاريف”، قال فيها إن هناك فوضى عارمة في صفوف الجيش لا يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام، وإنه تلقّى الكثير من الشكاوى من جنود يقاتلون في قطاع غزة تفيد بنقص المعدات وتعطّلها.

 

حديث اللواء بريك، وغيره الكثير من الذي لا يتسع المجال لذكره، يكشف بما لا يدع مجالاً للشك عن ندوب واضحة في جسد “جيش” الاحتلال أثّرت في مجمل أدائه في الميدان، وفي جودة تنفيذه المهام العسكرية الموكلة إليه، وأدّت إلى حدوث إخفاقات كثيرة خلال المواجهات التي خاضها في السنوات الأخيرة، بل يمكن رؤية جزء مهم من تلك الإخفاقات منذ حرب تموز 2006 وما تلاها من حروب ومعارك، كان آخرها ما يجرى الآن من حرب طاحنة في قطاع غزة بدأت منذ السقوط الكبير صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، وهي تقترب حالياً من تجاوز شهرها الخامس، من دون أن ينجح العدو في تحقيق أيٍ من أهدافه المعلنة أو تحقيق الانتصار الحاسم الذي يبشّر به نتنياهو صباحاً مساء.

مؤشرات ودلائل

على الرغم من التفوّق الكاسح الذي يتمتع به “جيش” الاحتلال على كل خصومه في المنطقة، والذي أهّله في بعض الأوقات لتحقيق “انتصارات” سريعة، فقد بدأ يعاني خلال السنوات الأخيرة انتكاسات ملحوظة على مستوى الأداء القتالي والانضباط العملياتي، إلى جانب تراجع ملحوظ على مستوى القدرة التكتيكية وتنفيذ المهام العملانية، ما أدى في كثير من المراحل إلى فشل متكرر ساهم في اهتزاز صورته وفقدان الثقة بقدراته وإمكانياته وعدم التعويل على كل ما يصدر عن قياداته من تصريحات ذات أسقف مرتفعة، على غرار ما يردده وزير الحرب الحالي يؤآف غالانت، والذي يُنظر إليه في “إسرائيل” بأنه واحد من أضعف وأفشل وزراء الحرب الذين مروا في تاريخ الكيان، وأنه أحد الأسباب الرئيسية في فضيحة السابع من أكتوبر، التي كشفت سوءة ذلك “الجيش” وأسّست لمرحلة جديدة من الفشل والإخفاق، ربما تؤدي في مرحلة ما إلى تفكّك هذه الدولة المصطنعة وخروجها من كل المنطقة وهي تجر أذيال الخيبة والهزيمة.

 

أحد أهم المؤشرات على معاناة قوات الاحتلال مؤخراً هو تراجع الاعتماد على فرقه القتالية النظامية التي كانت تُعتبر في مرحلة سابقة ذراعه الضاربة التي يهدد بها كل خصومه، والتي ينفذ من خلالها كل مخططاته، والتي ساهمت طوال تاريخ “الدولة” العبرية في تحقيق العديد من الانتصارات والكثير من الإنجازات، إلا أنها في السنوات الأخيرة بدأت تفقد هذه الميزة نتيجة مشكلات كثيرة تحيط بها، ما أدى إلى لجوء الاحتلال إلى فرقه الخاصة والنخبوية التي تميزت خلال سنوات خلت بقدرات عملياته ومهارات قتالية عالية جداً، ما أهّلها لأن تكون إحدى أفضل الفرق على مستوى العالم، وإن كان هناك مبالغة مقصودة في الترويج لها والإشادة بقدراتها وإمكانياتها.

 

في الحرب التي يشنّها الاحتلال على غزة منذ 147 يوماً، يظهر اعتماد قوات الاحتلال على الفرق الخاصة كما لم يحدث من قبل، إذ إنه، وفي إشارة واضحة لعدم ثقته بفرقه النظامية وألويته القتالية، زج بكل فرق النخبة التي يملكها في مواجهة المقاومة الفلسطينية، في سابقة لم تحدث خلال تاريخ “الجيش”، على الرغم من أنه استخدم جزءاً من هذه الفرق في حروب سابقة، كان من بينها حرب تموز 2006 أثناء عدوانه على لبنان، وفي معاركه مع قطاع غزة، ولا سيما في العام 2014، إلا أنه في معركة “طوفان الأقصى” دفع بمعظم تلك الفرق، إن لم يكن كلها، في المواجهة القاسية والصعبة على أرض القطاع، وهو الأمر الذي أدى إلى وقوع خسائر جسيمة في صفوفها، وإلى ظهور مشكلات عديدة أحاطت بأدائها رغم محاولة الإعلام الإسرائيلي الترويج لغير ذلك.

 

شاركت العديد من الفرق النخبوية والخاصة في الحرب على غزة، سنشير إلى جزء منها في عجالة قبل أن نذهب لاستعراض الأسباب التي دفعت قوات الاحتلال إلى اللجوء إلى هذا الخيار، والذي تعرّض لانتقادات شديدة من الصحافة الإسرائيلية ومن ضباط سابقين خدموا في صفوف تلك الفرق.

 

1-وحدة “سييرت متكال”

تعدّ “سييرت متكال” من أفضل وحدات النخبة في “الجيش” الإسرائيلي وأكثرها أهمية، وتُعد من الوحدات الرائدة على مستوى العالم، وتتبع لشعبة الاستخبارات في “جيش” الاحتلال الإسرائيلي، وهي تعمل على تنفيذ المهام الواردة إليها من سلاح الاستخبارات أو التي تكون مستمدّة مباشرة من مقر قيادة العمليات التابعة للجيش “الإسرائيلي”، ويمتاز عملها بسرّية بالغة، لحساسية مهامها وخطورة ساحات القتال التي تعمل فيها.

 

تقوم “دورية الاستطلاع” بمهام عديدة، ولا سيما ما يختص منها بعمليات تحرير الرهائن، ومواجهة عمليات خطف واحتجاز الإسرائيليين في الداخل والخارج، إضافة إلى عمليات جمع المعلومات الاستخبارية الحسّاسة.

 

تعرّضت هذه الوحدة خلال المعركة الحالية في قطاع غزة لخسائر كبيرة أثناء محاولتها تحرير بعض الأسرى من قبضة المقاومة، وأخفقت في معظم المهام التي كانت تحاول تنفيذها، خصوصاً في حي الشجاعية ومخيم جباليا، وسقط العديد من أفرادها بين قتيل وجريح، كان من بينهم عدد من الضباط.

 

2- وحدة ماجلّان

من أهم الوحدات الخاصة العاملة في صفوف قوات الاحتلال. تقوم بكل مهماتها بشكل سري، وتشارك في القتال في ظل الظروف الميدانية المختلفة، مع التركيز أكثر على مهام الاستطلاع المسيّر، بنوعيه الراجل والراكب، وهي تعمل في كل الفصول والظروف، وتمتاز كذلك بالعمل في مجالات متعددة وهادفة، إذ يتميّز مقاتلوها بالمهارة والكفاءة العالية والإصرار، ويتمتعون بلياقة بدنية عالية، ويستخدمون الخرائط الطبوغرافية بمهارة فائقة، ويتميزون في مجالات القتال القريب، ويمتلكون معدات قتالية متطورة وعالية التكنولوجيا.

 

عانت وحدة “ماجلان” مشكلات عديدة أثناء تنفيذها مهام الاستطلاع في كثير من المناطق في غزة، كان من بينها ما تعرضت له من كمائن قاتلة في منطقة بيت حانون في الأيام الأولى للتوغل البري، ومخيم البريج وسط القطاع، والذي تعرّضت فيه لخسائر كبيرة.

 

3 – وحدة دوفدوفان

تعد وحدة “دوفدوفان” من أنشط الوحدات في قوات لاحتلال، وهي تشارك في العمليات العسكرية التنفيذية على مدار الساعة، سواء العمليات التي يتم التخطيط لها بشكل مسبق ضد هدف محدد أو العمليات التي تتم بناء على طلب عاجل من قبل جهاز الأمن الداخلي “الشاباك”. تُعتبر “الدوفدوفان” التي تم تشكيلها في العام 1986 وحدة قتالية خاصة تعمل في جميع الأراضي المحتلة، مع التركيز في السنوات الأخيرة على الضفة الغربية، وهي تعمل دون توقف لمنع الأنشطة التي تقوم بها فصائل المقاومة.

 

في بعض الأحيان، تعمل وحدة “دوفدوفان “بشكل علني، وفي أحيان أخرى، بشكل سري من خلال فرق “المستعربين”، وهي تحافظ على مستوى عالٍ من النشاط، وتظل على أهبة الاستعداد العملي على مدار الساعة، إذ يقوم مقاتلوها بتنفيذ العديد من الأنشطة العملياتية، مثل الاعتقالات والاغتيالات وإفشال خطط المقاومة لتنفيذ عمليات هجومية.

 

عانت وحدة “دوفدوفان” خسائر فادحة في صفوف أفرادها خلال تنفيذها مهام عملياتية في مخيم جباليا، إضافة إلى مقتل وإصابة عدد من مقاتليها في حي الشجاعية، إلى جانب إخفاقها في عمليات لتحرير الأسرى في شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

 

4- وحدة يهلوم

بحسب اعترافات العدو، فإن “يهلوم ” هي أكثر الوحدات الخاصة في “الجيش” الإسرائيلي التي تعرضت لخسائر خلال تصدّي المقاومة للعدوان على غزة، وهي وحدة خاصة تابعة لسلاح الهندسة في “الجيش” الإسرائيلي، وتعمل في مجال الهندسة القتالية والتفجيرات وزراعة الألغام.

 

ويتم تصنيفها كهيئة مهنية رفيعة المستوى في مجالات الهندسة القتالية الخاصة، إذ يدور الحديث هنا عن وحدة في “جيش” الاحتلال الإسرائيلي تمتلك خبرة واسعة في كل مجالات الهندسة القتالية، مثل التفجير الدقيق، وإعداد المواد المتفجّرة، وإزالة الألغام الأرضية، وتدمير الأنفاق.

 

تمكّنت المقاومة الفلسطينية من إيقاع وحدة “يهلوم” في كثير من الكمائن أثناء محاولتها تفكيك حقول العبوات الناسفة التي زرعتها في كثير من محاور القتال، إلى جانب سقوط عدد من مقاتلي الوحدة أثناء استكشافهم مجموعة من الأنفاق في حي الزيتون ومنطقة الشيخ رضوان، إلا أن الخسارة الأكبر كانت في مخيم المغازي الذي تعرضت فيه الوحدة للكمين الأبرز، والذي سقط فيه عدد كبير من جنودها أثناء محاولتهم تفجير عدد من بيوت المواطنين هناك.

 

إلى جانب ما سبق من وحدات خاصة ونخبوية إسرائيلية شاركت في العدوان على غزة، هناك وحدات أخرى أُعلن عن مشاركتها أيضاً، مثل “اليمّام” والإيجوز ووحدة الإنقاذ والإخلاء الجوي (669) وشييطت 13، وهي أشهر الوحدات الخاصة الإسرائيلية البحرية، إذ كان لجميعها نصيب من الخسائر التي سقطت أثناء مشاركتها في مهام عملانية في القطاع، ولكن ما الأسباب التي دفعت قوات الاحتلال إلى الاعتماد على فرقه النخبوية في كثير من المهام على حساب الفرق النظامية؟ وهل يفتح هذا الأمر الباب أمام تغييرات جذرية على بنية “الجيش”؟

 

يمكن لنا أن نلحظ وجود عدة أسباب أدّت إلى هذا التحوّل الذي كان متوقعاً في ظل إخفاقات كبيرة عانت منها ألوية قوات الاحتلال النظامية خلال السنوات الماضية، وأدت إلى حدوث إخفاقات كبيرة وفشل متكرر ظهر جليّاً في عدد من المواجهات مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وبانت تفاصيله بشكل واضح في المعارك المحدودة التي تجري في مدن الضفة الغربية المحتلة خلال العامين الماضيين تحديداً.

 

أولى هذه الأسباب هو التراجع الكبير الذي طرأ على الكفاءة القتالية للجنود الإسرائيليين الذين يخدمون في الفرق النظامية، ولا سيما على صعيد ذراع البر التي تعاني منذ سنوات مشكلات عديدة ظهرت جلياً في عدد من الحروب التي خاضها مع قوى المقاومة في المنطقة، وخصوصاً في حرب تموز 2006، إضافةً إلى المعارك مع المقاومة الفلسطينية على غرار ما حدث في العام 2014، والتي كشفت عن تراجع ملحوظ في كفاءة الجنود النظاميين، كما أقرّت الكثير من الدراسات الصادرة عن مراكز بحثية إسرائيلية مرموقة.

 

يضاف إلى ذلك فقدان الثقة بين الجنود والقيادة، إذ أشارت الكثير من الدراسات إلى أن الجندي الصهيوني النظامي لا يثق بقيادته، ولا يعتقد بأنها تملك من المقوّمات ما يؤهلها لقيادة المواجهات الصعبة وإدارة مسارح العمليات بالصورة المثلى.

 

ثاني الأسباب هو انكشاف الخطط القتالية لـ”جيش” العدو، الذي أصبح يعتمد في معظم معاركه على الأسلوب نفسه، ويستخدم الأدوات نفسها.

 

هذا الأمر مكّن فصائل المقاومة من توقّع شكل المعركة والأدوات المستخدمة فيها، وهو الأمر الذي سمح لها بوضع خطط دفاعية، وفي بعض الأحيان هجومية، أسقطت في معظم الأوقات أهداف العدو، وحوّلت التهديد إلى فرصة لتوجيه ضربات مؤثرة ومؤلمة إلى “جيش” الاحتلال، على غرار ما حدث في معركة سيف القدس 2012، والتي ضربت منظومة الأمن الإسرائيلية في مقتل، وشكّلت منعطفاً مهماً في تاريخ الصراع بين الدولة العبرية والمقاومة الفلسطينية.

 

ثالث الأسباب الذي نكتفي به لعدم الإطالة يتلخص في الخلل الواضح في القدرات التسليحية لـ”جيش” الاحتلال. رغم ما يُشاع عن امتلاك هذا الجيش قدرات خارقة وإمكانيات هائلة، فإنَّ عدداً من المعارك كشف عن خلل واضح ونقص لا يمكن إخفاؤه في جزء مهم من القدرات التسليحية للكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي بدا واضحاً خلال الاستعداد للهجوم البري على قطاع غزة خلال معركة طوفان الأقصى، إذ اشتكى الكثير من الجنود من عدم توفّر سترات واقية، إضافة إلى النقص في صواريخ القبّة الحديدية ودبابات الميركافا، ما دفع قوات العدو إلى استخدام دبابات من نوع “ميركافا 3″، وهي التي أخرجها من الخدمة منذ سنوات.

 

كل ما سبق من أسباب، إضافة إلى أخرى من قبيل تهرّب الجنود من الخدمة، والخلل الواضح في التسلسل القيادي على صعيد الرتب العليا، وغياب القادة ذوي الكفاءة، دفع قيادة “جيش” العدو للزج بوحدات النخبة في أتون حرب قاسية ومعقّدة كشفت مدى هشاشتها، وأن ما كان يُشاع عنها من بأس وقوة لا تضاهي هو مجرد بروباغندا موجهة تهدف في الأساس إلى ردع أعدائها ومنعهم من مجرد التفكير في مهاجمة “إسرائيل” أو التصدّي لاعتداءاتها التي غطّت معظم جغرافيا المنطقة، ووصلت إلى مناطق بعيدة وغير مُتوقعة.

 

لقد أثبتت معركة “طوفان الأقصى” بما حملته من مفاجآت، وبما أحدثته من تغيّرات، أن هذه “الدولة” الهجينة قابلة للسقوط والانكسار، وأن جيشها الذي كانت تُفاخر به، وتهدد به كل أعدائها في المنطقة، يمكن هزيمته أو على أقل تقدير منعه من تحقيق الانتصار.

 

بعد انتهاء المعركة في قطاع غزة، والتي لا نشك للحظة واحدة في انتصار الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة فيها رغم حجم التضحيات الهائلة، فإننا سنشهد تغيّرات كبيرة على مستوى بنية “جيش” الاحتلال، ستؤدي في مرحلة لاحقة إلى المزيد من انخفاض قدرته القتالية، وزيادة حجم الإخفاقات والانتكاسات، بما يسمح في المعركة الكبرى التي ينتظرها الجميع بإسقاطه بالضربة القاضية، وباقتلاع هذه الغدّة السرطانية من منطقتنا العربية والإسلامية مرة واحدة وإلى الأبد.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام والدراسات الفلسطينية، وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصرا

عن علي محمد

مدير التحرير

شاهد أيضاً

أكتوبر الأسود ودموع سموتريتش يفضحان خسائر الكيان

على الرغم من الرقابة العسكرية المشددة على النشر في الصحافة العبرية، التي لا تنشر إلا …

آخر الأخبار