لبنان و”تلازم الهدنتين”: إختبار إقليمي مع اقتراب شهر رمضان

إن المحاولة الأميركية الإسرائيلية المتهوّرة لإبعاد حزب الله بالقوة عن حدود فلسطين المحتلة الشمالية، تخاطر بدفع المنطقة إلى حرب شاملة، وهو ما لا يمكن لتل أبيب ولا واشنطن أن تتحكّم به.

خليل حرب

 

تصاعد تهديدات إسرائيل بمعاملة بيروت كغزة، وتزايد تأييد مستوطنيها لشن عدوان على لبنان، واستمرار مقامرة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن باللعب على حافة الهاوية من خلال الضوء الأخضر الممنوح لكيان الاحتلال بالمضي قدمًا في اقتلاع الفلسطينيين من آخر نقطة تجمّع خانقة لهم في رفح، في أقصى جنوب غزة، ينقل الصراع المتدحرج منذ 4 شهور، إلى نقطة غليان خطيرة.

 

وهناك معادلتين ساخنتين إضافيتين تزيدان المشهد الإقليمي سخونة: الأولى، تتمثّل في تعمّد إسرائيل الاستهداف المباشر للمدنيين في لبنان (مثلما جرى في غارتين على منطقتي النبطية والصوانة جنوب البلاد)، ما دفع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى الإعلان يوم الجمعة أن “العدو سيدفع ثمن قتله للمدنيين، دمًا”.

 

أما المعادلة الثانية الآخذة بالتراكم، فتتمثّل في اقتراب موعد شهر رمضان، وهي مناسبة مقدّسة عند مئات الملايين من المسلمين، وهم سيتابعون بغضب متزايد صيامهم عن الطعام والشراب، فيما لا تزال واشنطن تكتفي بمحاولة إقناع العالم، بأنها تريد الحؤول دون موت نحو مليوني فلسطيني مشرّد في غزة، من الجوع.

 

ورغم ما تتحدّث عنه التقارير والتصريحات الأميركية بأن واشنطن تمارس ضغوطًا على إسرائيل من أجل تقليل – وليس وقف – هذا العدد الهائل من الخسائر البشرية، إلا أن معدّل القتل الذي تمارسه إسرائيل منذ أكثر من 130 يومًا، لا تزال نسبته تصل إلى نحو 300 قتيل شهيداً، بعدما وصل عدد الشهداء حتى الآن إلى نحو 29 ألف شهيد، ناهيك عن تدمير أكثر من 60% من المنازل والمنشآت السكنية.

 

ولهذا، فإن كلام السيد نصرالله يبدو بنظر ملايين الناس حول العالم، وليس في العالم الإسلامي وحده، دقيقًا، عندما قال الجمعة إن “كل قطرة دم تُسفك في غزة وفي كل المنطقة المسؤول الأول عنها، هو بايدن وبلينكن وأوستن”، وأنه لو كانت واشنطن “تريد وقف الحرب فعلًا، فلتوقف الجسر الجوي” الذي ينقل منذ اليوم للحرب آلاف الأطنان من الأسلحة والعتاد العسكري للكيان الإسرائيلي.

 

فماذا يعني ذلك؟

 

تقول شبكة “أي بي سي” الأميركية الآن إن وزارة الخارجية الأميركية تلقّت تحذيرات متعددة من دبلوماسييها في أنحاء المنطقة بشأن تنامي العداء لواشنطن الموصوفة بأنها صارت “سامة”، بسبب “الشيك المفتوح” لإسرائيل في عملياتها العسكرية، وبرغم محاولات الولايات المتحدة إدخال تعديلات على خطابها، بما في ذلك محاولة إبراز الحاجة لتوفير حماية إضافية للمدنيين الفلسطينيين، مشيرة الى أن تنامي العداء للأميركيين ستكون له تداعيات مكثفة على الدبلوماسية الأميركية، بما في ذلك محاولتها تشجيع التطبيع مع إسرائيل، وعلى مصالح رجال الأعمال الأميركيين العاملين في المنطقة.

 

يقول مصدر مقرّب من “محور المقاومة” في لبنان لموقع The Cradle إن الأسبوعين المقبلين يحملان ما يكفي من عناصر التفجير الأوسع، خصوصًا في حال قرّرت إسرائيل فتح حمام الدم والدخول في سباق زمني مع شهر رمضان والمسارعة إلى محاولة تنفيذ خططها بإعادة تهجير أكثر من مليون نازح فلسطيني في رفح، وثانيًا بسبب المشاهد المؤلمة التي تتوالى للفلسطينيين الجوعى في شهر الصيام، وثالثًا بسبب تزايد لهجة كبار المسؤولين الإسرائيليين ضد لبنان، ما ترجم خصوصًا بجريمتي النبطية والصوانة ضد المدنيين اللبنانيين.

 

يترافق هذا المشهد المتأزم لهذه الغيوم، مع تزايد تململ مستوطني الشمال من الواقع الأمني الجديد الذي فرضته المقاومة في لبنان منذ 8 تشرين أول/أكتوبر، على طول شريط حدودي بامتداد أكثر من 100 كيلومتر من الناقورة إلى تلال شبعا، وبعمق يتراوح ما بين 5 إلى 10 كيلومترات، وفرض نزوح آلاف العائلات الاستيطانية، برغم تهديدات كبار المسؤولين الإسرائيليين بفرض “الهدوء” على الجبهة الشمالية مع لبنان، بما في ذلك كلام وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين الذي توعد بأنه “إذا لم يتم إيجاد حل دبلوماسي فسنضطر لإبعاد حزب الله عن حدودنا”.

 

إسرائيل وإبعاد حزب الله عن حدودها

 

وقد أظهر استطلاع للرأي لصحيفة “معاريف” العبرية، أن 71% من الإسرائيليين يعتقدون أن على إسرائيل شن عملية عسكرية واسعة ضد لبنان، وإبعاد حزب الله عن الحدود. لكن قيادة الحرب الإسرائيلية، تدرك في الوقت نفسه، مغزى كلام السيد نصرالله في 13 شباط/فبراير الحالي، عندما قال إن على “وزير الحرب الإسرائيلي الذي يتوعد بتوسيع العمليات الإسرائيلية ضد لبنان أن يدرك أنه إذا شن حربًا على لبنان فإن عليه تهيئة الملاجئ لمليوني مهجر إسرائيلي من الشمال لا مئة ألف فقط”.

 

في خطابين متتالين، كرّر نصرالله معادلة أن “وقف الحرب على غزة، هو فقط ما سيوقف جبهة لبنان”. يستعيد أيضًا من وقائع كانت قائمة منذ العام 1982 عندما كانت إسرائيل تبادر إلى الرد عسكريًا على لبنان بمجرد إطلاق رصاصة أو صاروخ كاتيوشا على مناطقها، لكنها الآن، وبرغم أكثر من ألف هجوم للمقاومة على مواقع الإحتلال سواء داخل الأراضي اللبنانية المحتلة، أو داخل الشمال الفلسطيني المحتل، فإن الحكومة الإسرائيلية لم تعلن حربًا شاملة على لبنان.

 

ويقول مصدر سياسي لبناني لموقع The Cradle إن إسرائيل بموازاة ضغطها العسكري بالغارات المباشرة على البيئة المدنية في الجنوب اللبناني لترهيبها، فإنها تراهن أيضًا على أن حركة السياسيين الغربيين تجاه بيروت، قد توفّر لها تحقيق أحد شروطها المعلنة والمتمثلة ليس فقط بإبعاد حزب الله عن الحدود، وإنما إخراجه إلى شمال خط نهر الليطاني.

 

حزب الله لن يتزحزح أمام الضغوط الغربية

 

في المقابل، يستعيد نصرالله طرفة نقلت إليه مستوحاة من أجواء المحادثات التي يجريها المبعوثون الغربيون إلى لبنان، بما في ذلك الأميركي والبريطاني والفرنسي والألماني، حيث علق أحد المسؤولين اللبنانيين بالقول للمبعوثين الغربيين، إن “الأكثر سهولة أن ننقل النهر إلى الحدود، بدلًا من دفع حزب الله إلى شمال النهر”.

 

اتفاق زعيم حزب الله مع هذا الكلام يؤكد أن المقاومة في لبنان، ليست في وارد التراجع لا أمام ضغط القصف الإسرائيلي، ولا أمام وعود عواصم الغرب. وبكل الأحوال، فإن مبعوث الطاقة لوزارة الخارجية الأميركية أموس هوكستين، لا يكشف سرًا لا يعرفه سرًا عندما يقول الآن “نحاول إبقاء الصراع في جنوب لبنان عند أدنى مستوى ممكن”، وهو ما يعني فعليًا، أن واشنطن لا تعمل بالفعل على إيقاف الحرب، وإنما الإكتفاء بـ”ضبطها”.

 

ويقول المصدر السياسي لـ The cradle إن أقصى ما تلقّاه المسؤولون اللبنانيون من الحركة الغربية تجاه بيروت، هو عملية “نقل رسائل”، وليس وساطات مثلما يبدو، وإن هؤلاء ينقلون فعليًا مطالب إسرائيل وتهديداتها، حول وقف إطلاق النار من الجانب اللبناني، وإبعاد حزب الله عن الحدود، وهو ما يعكس عدم جدية هؤلاء المبعوثين في ظل الوضع الخطر جنوبًا.

 

إن هذه النقطة هي التي يبدو أنها دفعت حتى رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي، إلى القول في 12 كانون الثاني/يناير الماضي، إنه ذكّر هوكستين بأن “هناك قرارات دولية صادرة منذ العام 1949 وصولًا إلى القرار 1701، وإن كل هذه القرارات الدولية لم تنفّذ إسرائيل أيًا منها”، مضيفًا “أبلغنا جميع الموفدين أن الحديث عن تهدئة في لبنان فقط أمر غير منطقي، وانطلاقًا من عروبتنا ومبادئنا، نطالب بأن يصار في أسرع وقت ممكن إلى وقف إطلاق النار في غزة… ونحن لا نقبل بأن يكون أخوة لنا يتعرّضون للإبادة الجماعية والتدمير (في غزة)، ونحن نبحث فقط عن اتفاق خاص مع أحد”.

 

إنها معادلة “تلازم الهدنتين” وكلام ميقاتي يعكس لحظة التقاء لبنانية مهمة مع المقاومة، في بلورة موقف أكثر صلابة أمام حملة الترهيب الإسرائيلية، وهي ضرورية طالما أن ما من شيء قيّم مقدّم للبنانيين في الميدان السياسي.

 

وفي هذا السياق، يتحدّث المصدر السياسي عن الورقة التي حملها الفرنسيون إلى المسؤولين اللبنانيين، والتي حولها العديد من الملاحظات في الشكل والمضمون، من بينها أنها لا تحمل صيغة رسمية، وتدعو إلى وقف لإطلاق النار على الحدود، وتشكيل لجنة مراقبة تضم في عضويتها الأميركيين والفرنسيين إلى جانب ممثلين عن لبنان وإسرائيل.

 

لكن هذه الورقة تتطرق أيضًا إلى ما يمكن تسميته بثلاثة مراحل، فبعد وقف إطلاق النار، تأتي مرحلة انسحاب مقاتلي المقاومة مع قدراتها العسكرية بعيدًا عن الحدود لمسافة 10 كيلومترات مع حلول قوات إضافية من الجيش اللبناني مكانها، ثم ثالثًا الدخول بمفاوضات حول الحدود هدفها الفعلي إقامة ما يشبه المنطقة العازلة تمتد من الحدود باتجاه نهر الليطاني، لا وجود فيها لأي حضور للمقاومة، وإنما لقوات اليونيفيل والجيش اللبناني فقط.

 

لكن نصر الله اختصر مجمل هذه الحركة الدبلوماسية بالنسبة إلى لبنان بالقول إن أية مفاوضات يجب أن تكون على قاعدة وحيدة مفادها “أخرجوا من أرضنا اللبنانية”، في إشارة إلى استمرار احتلال إسرائيل لمناطق لبنانية في مناطق شبعا وكفرشوبا.

 

ومن الواضح أن معادلة “تلازم الهدنتين” هي رد حزب الله الطبيعي على كل ما يفعله الإسرائيليون والأميركيون، بمحاولة “فصل الميادين” العسكرية، ما بين غزة ولبنان واليمن وسوريا والعراق. ولهذا، وكما تقول مصادر مقربة من المقاومة، فإن تصريح وزير الحرب الإسرائيلي  يوآف غالانت الأخير بأن قواته قد تعمد إلى قصف بيروت، قابله نصرلله بخلاصة مفادها أن الاستهداف الأخير للمدنيين في مناطق النبطية والصوانة وعدشيت، “كان متعمدًا وليس عن طريق الخطأ” ومحاولة للإخلال بقواعد الإشتباك القائمة منذ العام 1992، مضيفًا أن المقاومة ستنال من العدو في الميدان متى استطاعت، وردنا سيكون بتصعيد العمل المقاوم في الجبهة… ونساؤنا وأطفالنا الذين قُتلوا سيدفع العدو ثمن سفكه لدمائهم دماءً، وليس من خلال استهداف مواقع وأجهزة تجسّس وآليات”.

 

وتحاذر مصادر مطلعة تحدثت إلى موقع The cradle من أن الإسرائيليين والأميركيين مجبرون على تحديد خياراتهم في الأسبوعين المقبلين، ليس فقط في ظل اقتراب شهر رمضان، وإنما أيضًا في ظل رفع إسرائيل لمستوى عدوانها مع إصرار المقاومة في  لبنان على ترسيخ “الرد المتناسب”. وفي هذا الإطار، فإن التدحرج الأكثر خطورة قد يتمثّل في إرتكاب إسرائيل حماقة محاولة الاستفراد بلبنان وحزب الله، وهو ما سيشكّل نقطة تحوّل تدفع “محور المقاومة” إلى إعادة صياغة معادلاته الحالية من خلال:

 

مستوى وقوة الرد من المقاومة في لبنان

إنهيار التهدئة الهشة القائمة في العراق وعودة التصعيد

توسيع جبهات الرد ونطاقها الجغرافي (ربما بما في ذلك من سوريا)

تعديل وجهة وقوة هجمات الصواريخ والمسيرات اليمنية (خارج البحر الأحمر وخليج عدن)

تعديل في خيارات مراكز القوة في إيران لصالح تيار المواجهة والخروج عن مقاربتها الإقليمية القائمة منذ 4 شهور، في حال تحوّلت أنظار نتنياهو-بايدن شمالًا.

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام والدراسات الفلسطينية، وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصرا

عن علي محمد

مدير التحرير

شاهد أيضاً

الصاروخ اليمني.. كيف تهاوى الردع الإسرائيلي المطلق؟

شرحبيل الغريب 11 دقيقة ونصف دقيقة هي المدة التي استغرقها وصول صاروخ بالستي فرط صوتي …

آخر الأخبار