منذ احتلال كامل مدينة القدس عام 1967، يواجه المسجد الأقصى المبارك مشروعًا إحلاليًّا تهويديًّا دينيًّا يسعى بكل الوسائل الممكنة لتغيير هويته الإسلامية، في إطار تأييد غربي، وتواطؤ عربي، وعجز رسمي فلسطيني.
وفي مثل هذا اليوم قبل 53 عامًا، أقدم متطرف من أصل أسترالي يدعى مايكل دنيس روهان، على إشعال النيران بالمصلى القِبلي بالمسجد الأقصى.
يومها، شب الحريق بالجناح الشرقي للمصلى الواقع في الجهة الجنوبية للمسجد، وأتت النيران على جانب كبير منه ومن تراثه التاريخي والديني، والتهمت محتوياته كاملة بما فيها منبر صلاح الدين الأيوبي التاريخي، كما هدد قبّة المصلى الأثرية.
ولولا جهود المقدسيين حينها لإخماد الحريق؛ لكانت النيران أحرقت كل ما فيه من معالم دينية وجدران لا تزال شاهدة على عروبة الأقصى وقدسيته.
استذكار الحدث
خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ عكرمة صبري، ذكر أنه في صباح يوم الخميس 21 آب/أغسطس 1969 شاهد لهيب النار ينبعث من المسجد الأقصى، وفي سماء مدينة القدس.
وأضاف: هرعت أنا وجميع الناس رجالًا ونساءً وأطفالا وكبار سن، إلى المسجد لإطفاء الحريق العدواني ضد الأقصى، وكان الناس ينقلون التراب والماء من البيوت المجاورة للمسجد بأوعية يدوية من يد لأخرى، لافتًا أن الناس كانوا يصطفون بصفوف طويلة أثناء نقل الماء والتراب لإطفاء الحريق.
فحتى تلك اللحظة لم تكن سيارات الإطفاء قد وصلت إلى المسجد من أجل إطفاء الحريق.
ويتابع صبري، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، أن أهالي بيت المقدس تمكنوا من إطفاء الحريق بالتعاون مع فرق الإطفاء التي وصلت في ساعات العصر من بلديات الخليل وبيت لحم ورام الله والبيرة، بعدما عرقل الاحتلال وصولها لساعات.
لكن النيران كانت قد التهمت أجزاء كبيرة من الجهة الشرقية للمصلى القبلي، ودمرت الفسيفساء والزخارف التاريخية، وامتدت إلى منبر صلاح الدين الأيوبي والمحراب، والقبة.
وأكد صبري أن هذا الحريق لم يكن ليتم لولا أنه مخطط له من سلطات الاحتلال، مستدلًا على ذلك بأن المواد التي استخدمت في إضرام الحريق شديدة الاشتعال، ولا توجد في الأسواق، وإنما تتوفر لدى الدول والجيوش فقط، بالإضافة إلى تزوير إعلام الاحتلال للحقيقة، وزعمه أن الحريق ناجم عن تماس كهربائي للتضليل.
ويضيف أن الذين حرقوا المسجد مجموعة من المجرمين وليس شخصًا واحدًا، لكنهم ألقوا القبض على واحد هو المدعو مايكل دنيس روهان، قالوا إنه استرالي الجنسية، ومختل عقليًّا، من أجل إغلاق الملف، وعدم كشف الحقيقة كاملة.
ويذكر صبري أنه لم تقم صلاة الجمعة في اليوم التالي، حرصًا على سلامة المصلين، ولاحقا تم وضع ساتر من الطوب لمنع الناس من الوصول إلى منطقة الحريق.
وكانت الصلوات تقام خلف منطقة الطوب، وبقي الأمر على هذا الحال لفترة من الوقت حتى إتمام عملية التنظيف والشروع في الترميم، مؤكدًا أن فترة ترميم المسجد استمرت 20 سنة كاملة.
وبين أنه وبعد إحراق المنبر، كان الخطباء يقفون على الأرض، ثم وُضِع منبر حديدي، إلى أن جُلِبَ منبر شبيه بالمنبر الأصلي في العام 2007.
الحرائق مستمرة
يوضح الشيخ عكرمة صبري، أن الاعتداءات والأخطار المحدقة بالمسجد الأقصى لم تتوقف عند إحراق المنبر والواجهة الشرقية للمسجد القبلي، وإنما تحيط بالمسجد من كل الجهات بفعل ممارسات الاحتلال.
وبين أن الحرائق مستمرة؛ ولكنها بأشكال متعددة، منها: الاقتحامات من الجماعات اليهودية المتطرفة، ومنها الحفريات، ومنها اعتقال المصلين وإبعادهم عن المسجد، ومنها التضييق على أعمال الترميم.
فكلها حرائق خطيرة، ولذلك من واجبنا في كل عام أن نستذكر هذا الحريق، ونذكر العالم أجمع أن المسجد الأقصى ما زال في دائرة الخطر، في إطار استمرار أطماع الاحتلال بالمسجد، كما قال.
وشدد الشيخ صبري على أن المسجد الأقصى المبارك هو للمسلمين وحدهم بقرار رباني إلهي، قائلًا: “لا علاقة لغير المسلمين بهذا المسجد، لا سابقًا ولا لاحقًا، كما لا نُقرُّ ولا نعترف بأي حق لليهود فيه”.
وهذه الأخيرة، تعمق نفوذها داخل المؤسسة الصهيونية الأمنية والعسكرية، مما يؤثر على سياسات دولة الاحتلال في المجمل، فضلاً عن قناعاتهم الدينية بأن افتعال الحرب يُقرِّب من نزول مسيحهم المخلص.