(عن إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية)
لقد كان التنوع الثقافي والاجتماعي مصدر قوة للقارة الأوروبية، إلا أنه أوروبا تشهد في الفترة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في منسوب الخطاب العنصري. ويتجلى ذلك عبر أشكال مختلفة، مثل تحقيق تيارات وأحزاب اليمين المتطرف مكاسب سياسية وانتخابية كبيرة في دول عديدة، فضلاً عن تصاعد خطاب الكراهية والسياسات التمييزية وأعمال العنف، وخاصةً في دول مثل ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا. وتعتبر هذه الظاهرة متعددة الأوجه، تتأثر بمزيج من العوامل التاريخية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ملامح رئيسية
يرتبط تصاعد تهديدات العنصرية في الدول الأوروبية بعدد من الملامح الرئيسية، ويمكن الإشارة إلى هذه الملامح عبر النقاط التالية:
1– تنامي الخطاب المُعادِي للأجانب: عاد نايجل فاراج Nigel Farage إلى المشهد السياسي في المملكة المتحدة، وهو الزعيم السابق لحزب UKIP المعروف بمُعاداته للأجانب، مع تأسيس حزب سياسي جديد يُدعَى Reform UK. ووفقاً لآخِر نتائج استطلاعات الرأي حول الانتخابات التشريعية القادمة في 2024، فإن هذا الحزب ليس بعيداً عن تجاوز حزب الديمقراطيين الليبراليين ليصبح ثالث قوة سياسية في المملكة المتحدة بعد حزبَي العمال والمحافظين؛ حيث يلامس 10% من نوايا التصويت.
ومؤخراً تم اتهام وزراء في الحكومة الفنلندية تابعين لحزب “الفنلنديون الحقيقيون” True Finns بنشر تعليقات معادية للأجانب قبل أن يصبحوا جزءاً من الائتلاف الحاكم، كرئيسة الحزب، ووزيرة المالية ريكا بورا، التي نُشرَت لها تعليقات سابقة عنصرية للغاية، تعود إلى عام 2008 من قبيل ضرب الأطفال الزنوج في هيلسنكي، واستعمال السلاح ضد شبان مهاجرين، كما تعرضت وزيرة الداخلية ماري رانتانين لانتقادات بسبب نقلها عبر شبكات التواصل الاجتماعي منشورات عن نظرية “الاستبدال الكبير”.
كما جعل حزب الحرية الهولندي من نبرة كراهية الأجانب علامةً فارقةً في خطابه السياسي، واعتبر رئيسه خيرت فيلدرز بعد فوزه في الانتخابات أن الهولنديين يأملون استعادة بلدهم عبر الحد من طالبي اللجوء والهجرة، معتبراً أن هناك فترة صعبة قد بدأت بالنسبة إلى المسلمين في هولندا.
2– صعود حركات اليمين المتطرف: شهد عام 2023 صعود قوى اليمين المتطرف في الكثير من الدول الأوروبية، وهو اتجاه كان قد رُصد في عام 2022 بإيطاليا والمجر؛ ففي هولندا، فاز حزب الحرية في 22 نوفمبر 2023 بالانتخابات التشريعية حاصداً 37 مقعداً من أصل 150، وقد يصبح قائده خيرت فيلدرز رئيساً للحكومة الهولندية.
وفي فنلندا، حصل حزب “الفنلنديون الحقيقيون” القومي على نسبة 20.1% في الانتخابات التشريعية. وفي بلغاريا، أصبح حزب النهضة Vazrajdane المُقرَّب من روسيا، القوة السياسية الثالثة في البلاد بعد أن حصل على أكثر من 14% من الأصوات في أبريل 2023. أما في اليونان، فقد حقَّقت الأحزاب الثلاثة التي تُمثِّل اليمين المُتطرِّف اختراقاً جماعياً من خلال جمع أكثر من 12% من الأصوات في الانتخابات التشريعية.
وشَهِدت سلوفاكيا أيضاً زيادة في شعبية حزب SNS القومي من 3.16% في عام 2020 إلى 5.63% في عام 2023، وهي النتيجة التي سمحت له بدخول الائتلاف الذي أوصل الشعبوي روبرت فيكو إلى السلطة. وفي ألمانيا، قام حزب البديل من أجل ألمانيا بتوسيع وجوده من خلال حصوله على المركز الثاني في الانتخابات الإقليمية التي أُجريت في أكتوبر2023 في بافاريا وهيسن.
هذا بالإضافة إلى صعود حزب الحرية FPÖ في النمسا بقيادة هربرت كيكل الذي تبنى في بداية الحرب في أوكرانيا، في فبراير 2022، خطاباً مؤيداً لروسيا، وعارض العقوبات الأوروبية ضد موسكو، كما أنه ينتقد الناشطين البيئيين والإجراءات الحكومية للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ومكافحة تغير المناخ، واصفاً كل تلك التدابير بأنها تندرج ضمن إطار “الشيوعية البيئية”، كما لا يجب نسيان الاختراق التاريخي لحزب التجمع الوطني في فرنسا وحصوله على 89 مقعداً في تشريعيات 2022، ووصول زعيمته مارين لوبان إلى نسبة 41.5% في الجولة الثانية من الرئاسيات الفرنسية.
3– تأجيج المشاعر المُعادِية للمهاجرين: أشارت بعض التقديرات، في شهر نوفمبر 2023، إلى أن 17% فقط من اللاجئين الأوكرانيين في ألمانيا لديهم عمل مدفوع الأجر، مقابل 66% في بولندا، و70% في هولندا. وقد أرجعت قوى اليمين المتطرف في ألمانيا ذلك إلى البدلات المالية السخية الممنوحة للاجئين، التي تدفعهم إلى الاعتماد على هذه البدلات، وعدم البحث عن عمل، كما أثارت مشاركة المهاجرين في تظاهرات دعم فلسطين في ألمانيا، مخاوف داخلية بشأن نجاح عملية الاندماج لدى مجموعات معينة داخل المجتمع الألماني.
وشكَّلت المخاوف الناتجة عن الهجرة رافعة للصعود السريع لليمين المتطرف في ألمانيا خلال الأشهر الأخيرة؛ حيث أصبح حزب البديل من أجل ألمانيا يحصل على 22% من نوايا التصويت في استطلاعات الرأي، بزيادة 10 نقاط عن انتخابات عام 2021. ولقد تجلى هذا الصعود أيضاً من خلال نتائج الانتخابات الإقليمية التي جرت في 8 أكتوبر2023؛ حيث حصل حزب البديل من أجل ألمانيا على 18.4% في هيسن، و14.6% في بافاريا، وهي نتائج مرتفعة تاريخياً.
كما أظهر استطلاع للرأي أُجري في سبتمبر 2023 في عشر دول أوروبية أن 50% من الفرنسيين يعارضون الهجرة القانونية للسكان غير الأوروبيين إلى داخل الاتحاد الأوروبي. ووفقاً لهذا الاستطلاع فإن الفرنسيين هم الأقل تفضيلاً للهجرة القانونية للسكان غير الأوروبيين داخل الاتحاد الأوروبي؛ حيث اعتبر 12% من الفرنسيين الذين شملهم الاستطلاع أنهم “يؤيدون تماماً” الهجرة القانونية للسكان غير الأوروبيين داخل الاتحاد الأوروبي، و29% “يؤيدونها إلى حد ما”، بينما 30% “يعارضونها إلى حد ما”، و20% “يعارضونها تماماً”، فيما امتنع 9% منهم عن التعليق. كما كان لافتاً إطلاق حزب الحرية النمساوي مؤخراً فيديو دعائياً على منصاته يُظهِر احتراق كاتدرائية نوتردام في باريس، وأعمال شغب في الضواحي الفرنسية، مع رسالة مكتوبة في آخر الفيديو: “نحن الفرصة الأخيرة للنمسا”.
4– تقدم القومية الشعبوية: حيث أصبح لافتاً تراجع بعض القوى السياسية التقليدية في أوروبا، والجنوح أكثر نحو انقسامات وانتماءات جديدة. ولقد ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في ترسيخ هذه الانقسامات أكثر؛ حيث إن هذه الشبكات حلَّت تقريباً محل الهيئات الوسيطة المعتادة في المشهد السياسي العام بين المواطنين والدولة. ولعل حركة السترات الصفراء Mouvement des Gilets jaunes في عام 2019 في فرنسا أكبر مثال على ذلك؛ حيث ابتعدت شريحة واسعة من الناخبين عن الأحزاب التقليدية، وسلموا أنفسهم للخطابات الشعبوية.
وصحيح أن بعض الأحزاب السياسية الكلاسيكية الأوروبية قد انهارت (كالحزب الاشتراكي في فرنسا مثلاً) أو تواجه صعوبات، إلا أن اللافت في الأمر أن أفكارها ومواقفها تتبناها الأحزاب الشعبوية بمجرد وصولها إلى السلطة، مثل تغير موقف مارين لوبان بشأن انسحاب فرنسا من أوروبا (Frexit)، أو تغير موقف جورجيا ميلوني بشأن روسيا والناتو، كما كان لافتاً تصريح خيرت فيلدرز عشية فوزه في الانتخابات في هولندا بأن الأحزاب التي تريد تطبيق برنامجها لا تستطيع أن تحكم أبداً.
5– توسع السلوكيات التمييزية: نشرت وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية FRA تقريراً عن التمييز العنصري في 13 دولة أوروبية يوم 25 أكتوبر 2023. ووفقاً للتقرير، زاد السلوك العنصري منذ تقرير سابق كان قد نُشر في عام 2016؛ حيث اعتبر ما يقرب من نصف السود الذين شملهم الاستطلاع أنهم يواجهون العنصرية في حياتهم اليومية. وتبين من نتائج التقرير أن هذا الرقم يرتفع بوجه خاص في النمسا إلى 76%، وفي فنلندا إلى 66%، وفي ألمانيا إلى 77%. وقد تزايد هذا التمييز العنصري بدرجة أكبر في المدارس وفي العمل وفي البحث عن السكن وعن العمل.
6– تنامي جرائم الكراهية: سجَّلت أرقام الشرطة الألمانية تزايد عدد الأفعال المعادية للسامية في ألمانيا؛ حيث بلغت 540 جريمة في الربع الثالث من عام 2023، فيما سجَّلت في الفترة نفسها من العام السابق 306 جرائم. وأعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، في 14 نوفمبر 2023، أنه تم تسجيل 1518 عملاً أو تصريحاً معادياً للسامية في فرنسا منذ 7 أكتوبر 2023، في مقابل 436 عملاً من هذا النوع خلال عام 2022. ويبلغ الرقم القياسي السنوي السابق في هذا المجال 974، ويعود إلى عام 2004. وتُشكِّل العلامات والملصقات واللافتات 50% من الوقائع المسجلة في فرنسا. أما التهديدات والشتائم فتبلغ 22%، وجاءت نسبة التحريض على الإرهاب بنسبة 10%. أما الاعتداء على الممتلكات فسجَّل 8%، والاعتداء والضرب 2%.
محفزات رئيسية
لدراسة محفزات تصاعُد هذه الظاهرة، يمكن التنبه إلى العوامل التالية:
1– الاستغلال السياسي للقلق الشعبي: تُجمِع كل استطلاعات الرأي حول الانتخابات التشريعية القادمة في النمسا في أكتوبر 2024 على وضع حزب الحرية FPÖ في المقدمة بنحو 30% من نسب التأييد. ويرجع بعض الخبراء أسباب نجاح هربرت كيكل في حمل حزبه للوصول إلى المرتبة الأولى من نوايا التصويت، إلى تمكنه من انتهاج خطاب سياسي يركز على موضوع الهجرة، بل يصور كفاح حزبه بأنه معركة الحرية ضد الاضطهاد والظلم، في شكل يتفاعل مع المشاكل التي يشعر بها الكثير من النمساويين حالياً؛ حيث يُعَد التضخم في النمسا من بين الأعلى في الاتحاد الأوروبي (شهدت لاتفيا وسلوفاكيا وليتوانيا وإستونيا والنمسا أعلى معدلات التضخم في منطقة اليورو خلال عام 2023).
2– التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا: ركزت مارين لوبان في حملتها الانتخابية في الرئاسيات الفرنسية لعام 2022 على القضايا الاجتماعية والاقتصادية المحلية، ونجحت في استغلال القضايا المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، مثل ارتفاع أسعار الطاقة، وتآكل القدرة الشرائية للفرنسيين. وتمحور برنامجها الرئاسي حول إعادة توزيع سخية للدخل تتمثل في خفض ضريبة القيمة المضافة، وزيادة الأجور ومعاشات التقاعد، والإعفاءات الضريبية، والنقل المجاني للعمال الشباب. من الواضح أن لوبان نجحت في استقراء صدى المخاوف الاقتصادية للعديد من الفرنسيين، لا سيما لدى الطبقات الاجتماعية الفقيرة الأكثر تضرراً من التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، وخاصةً في المناطق الريفية؛ حيث أظهر العديد من استطلاعات الرأي أن العديد من الناخبين الفرنسيين يعتبرون أن تكلفة المعيشة والقوة الشرائية ستكون عوامل مهمة من أجل تحديد تصويتهم.
كما عكست الانتخابات التشريعية في فرنسا لعام 2022 الانتقال إلى مرحلة جديدة من نزع الشيطنة Dédiabolisation عن حزب التجمع الوطني، مع انهيار تكتل “الجبهة الجمهورية” Front Republicain الذي كان يتألف عادةً من تحالف كل الأحزاب من جميع الأطياف لمواجهة التجمع الوطني كلما كان من المرجح أن يفوز في جولة حاسمة أو إعادة؛ حيث استطاع الحزب الفوز بـ89 مقعداً.
كما ركز قياديو حزب البديل من أجل ألمانيا على رفض أي شكل من أشكال التدخل الألماني في الحرب في أوكرانيا، وطالبوا الحكومة بإعادة إمدادات الغاز الطبيعي الروسي الرخيص لحماية الاقتصاد الألماني، كما ركزوا على وصول أكثر من مليون لاجئ من أوكرانيا إلى ألمانيا، وعلى الزيادة في تكاليف المعيشة الأكبر في البلاد منذ سبعينيات القرن الماضي.
3– إثارة المخاوف بشأن تغيير الهوية الثقافية: تُدافِع رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني عن الهوية الثقافية الإيطالية، عبر طرح مشاريع قوانين لتعزيز الهوية الوطنية، والدفاع عن الأسرة التقليدية، وحماية التراث الثقافي، ومنع وصول المهاجرين. وعادةً ما تقارن جورجيا ميلوني، في خطابها السياسي، بين وصول المهاجرين إلى إيطاليا وبين عمليات الترحيل القسري لبعض السكان في الاتحاد السوفييتي القديم، بهدف إضعاف العادات والأديان المحلية، معتبرةً أن حزبها يريد الحفاظ على الهوية الإيطالية العميقة الجذور التي يريد اليسار إلغاءها، محذرةً من مخاطر “الاستبدال العرقي”، وتمييع الثقافة المسيحية في أوروبا. وتشير استطلاعات الرأي في إيطاليا إلى أن الناخبين يؤيدون على نطاق واسع تصرفات الحكومة؛ حيث بلغ دعم حزب جورجيا ميلوني 29% في استطلاعات الرأي الأخيرة، وهو أكثر من النسبة التي حققها الحزب حين فاز في الانتخابات في أكتوبر 2022.
4– التأثر بالحملات على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي: ففي النمسا أنشأ ناشطون مقربون من دوائر النازيين الجدد قناة تلفزيونية على الإنترنت تسمى AUF 1 في عام 2021، وهي القناة التي أصبحت خلال فترة وجيزة واحدة من أهم معاقل اليمين المتطرف؛ حيث إنها استفادت من التشكك القوي في موضوع لقاحات كورونا الذي لُوحظ في بعض المجتمعات الأوروبية لكسب الجمهور وفرض موضوعات مواتية للتوجه السياسي للقناة، كرفض الهجرة والتخويف من الأقليات.
وفي فرنسا، كان لافتاً نشر المجلة المقربة من الفيلسوف والمفكر الفرنسي ميشيل أونفراي Michel Onfray التي تُدعَى الجبهة الشعبية Frony Populaire عدداً في شهر مارس 2023 مخصصاً لطغيان الأقليات Tyrannie des minorités وفن تدمير فرنسا. وفي أيرلندا، كان وراء أعمال الشغب التي اندلعت في 23 نوفمبر2023؛ حيث تم إحراق سيارات الشرطة وحافلات الترامواي على خلفية الاعتداء بسكين على امرأة مع ثلاثة أطفال؛ إشاعة انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأن مهاجم السيدة من أصل أجنبي. وقام الحزب الوطني National Party في أيرلندا بالتجييش على منصة X داعياً الذين سئموا من رؤية أطفال أيرلنديين يتعرضون للطعن إلى النهوض والمواجهة.
كما أظهر استطلاع للرأي أُجري مؤخراً في 9 دول أوروبية، أن ثلثي الأوروبيين يبالغون في تقدير الواقع، نتيجة الدعاية الإعلامية المبالغ فيها تجاه موضوع الهجرة إلى القارة الأوروبية؛ حيث إن هذا الاستطلاع كان يسأل عن عدد الذين هاجروا بشكل قانوني إلى أوروبا في عام 2022 البالغ مليوني شخص، إلا أن أقل من 3 من كل 10 أجابوا بشكل صحيح، والجزء الكبير منهم لم يكن عنده تصور عن الإجابة.
5– مهاجمة سياسات الاتحاد الأوروبي: قوبلت بعض سياسات الاتحاد الأوروبي، كسياسة الصفقة الخضراء European Green Deal وتدابير إزالة الكربون، لهجوم كبير؛ حيث قامت الحكومات الأوروبية وعلى مدى عامين، باعتماد 32 تشريعاً، كنهاية استخدام المحرك الحراري في عام 2035، وفرض ضريبة الكربون التي من شأنها أن تسمح بتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 55% بحلول عام 2030 مقارنةً بعام 1990، ووضع دول الاتحاد الأوروبي على طريق الحياد الكربوني في عام 2050.
وأعربت بعض دول أوروبا الوسطى والشرقية، مثل بولندا و المجر، عن ترددها إزاء هذه التدابير، بحجة أنها لا تستطيع مجاراة شركائها في أوروبا الغربية. ولقد كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أوائل قادة دول الاتحاد الأوروبي الذي تحمَّلوا عواقب السياسة المناخية الاستباقية عبر تفجر أزمة السترات الصفراء في وجهه. ويخشى العديد من القادة الأوروبيين أن يضطروا أيضاً إلى مواجهة ثورة مثل ثورة “السترات الصفراء”، لا سيما أن هولندا شهدت حركات تمرد من قِبل الفلاحين في عام 2022، اعتراضاً على التدابير البيئية الأوروبية، كما أن حزب البديل من أجل ألمانيا جعل النضال ضد هذه التدابير بمنزلة أهداف أساسية له.
6– اللعب على وتر المخاوف الأمنية: كما أن اليمين المتطرف في هولندا استطاع حصد الاستياء الشعبي المتصاعد من جراء أعمال العنف والترهيب التي تقوم بها المافيا هناك، وخصوصاً تلك التي تسمى “موكرو مافيا” التي تسيطر على تجارة المخدرات والجريمة المنظمة؛ حيث إن قوة هذا الفرع من المافيا وصل إلى حد توجيه تهديدات إلى رئيس الوزراء الهولندي السابق مارك روته، وابنة الملك الأميرة أماليا. ولم يتردد خيرت فيلدرز في وصف المهاجرين الذين ينحدر منهم بعض أعضاء هذه المافيا بالحثالة، وبأنهم يجهزون للغزو الإسلامي.
7– آثار أزمة وباء كورونا: بهدف مكافحة وباء كورونا، أغلقت الحكومات الأوروبية حدودها الوطنية مؤقتاً، وهي خطوة حصلت على تأييد القوى الشعبوية والقومية المتطرفة، التي تسعى منذ زمن إلى تحقيق هذا الهدف لكن بشكل دائم. ومن ثم فإن هذه القوى استفادت من هذه التدابير الحكومية لمحاولة تصوير أن أمر فتح الحدود لا يمكن أن يحمل إلا المزيد من المشاكل، سواء كان ذلك عبر الهجرة أو عبر وصول الأوبئة.
كما أن هذه القوى نفسها استغلت سخط مجموعات من المواطنين ضد تدابير الإغلاق الحكومية وضد حملات التلقيح لركوب الموجة وقيادة هذه الاحتجاجات بوجه السلطة. وهناك مؤشرات واضحة على تزايد العداء العنصري بسبب أزمة فيروس كورونا؛ حيث سجلت العديد من أعمال العنف ضد الأجانب أثناء فترة الوباء، مع تعرض بعضهم للهجوم بالمطهرات لدوافع عنصرية.
كما قاد اليمين المتطرف حملات على جماعات سكانية باعتبارها مذنبة في جلب الوباء، أو باعتبار أنها تلقت معاملة مميزة من الدولة. ولقد أظهر استطلاع للرأي في التشيك بأن أزمة كوفيد–19 عززت المواقف العدائية تجاه الأجانب، كما أظهرت بعض استطلاعات الرأي في إسبانيا الاستعداد للتضحية بالحريات المدنية الأساسية ودعم تدابير سلطوية من أجل احتواء انتشار جائحة كورونا. ولقد حذر بعض المراقبين بأن جائحة كوفيد–19 من شأنها أن تهيئ أرضاً خصبة لتآكل المبادئ الديمقراطية وقبول التحول الاستبدادي، كما حصل في بولندا والمجر؛ حيث عمدت حكومات هاتين الدولتين إلى استغلال الجائحة لتضخيم صلاحياتها.
خلاصة القول إن استمرار تصاعد الخطاب العنصري سيكون له انعكاسات كبيرة، لا سيما من ناحية زيادة الاستقطابات داخل المجتمعات الأوروبية والانقسامات الداخلية وعدم الاستقرار، كما سيؤدي إلى تآكل الثقة بمشروع الوحدة الأوروبية، والتأثير على سمعة القارة الأوروبية باعتبارها قطباً دولياً يدافع عن قيم المساواة والديمقراطية.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام والدراسات الفلسطينية، وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصرا